صدرت المحكمة العليا الصهيونية قرارا، هذا الأسبوع، رأى خبراء قانونيون أن من شأنه السماح لمحققي جهاز الأمن العام (الشاباك) باستخدام التعذيب ضد معتقلين فلسطينيين، من خلال ممارسة ما يسمى "وسائل خاصة"، مثل منع المعتقل من النوم وإرغامه على البقاء في وضعية "ربضة الضفدع" لمدة طويلة. واعتبر القاضي دافيد مينتس، الذي أصدر القرار سوية مع القاضيين يتسحاق عميت ويوسف ألرون، أنه بالإمكان استخدام هذا النوع من التعذيب كوسيلة تحقيق "في حالات استثنائية"، وذلك خلافا لقرارات قضائية معمول بها حتى الآن.
وجاء قرار المحكمة العليا، لدى نظرها في التماس قدمه الأسير المحرر فراس طبيش، الذي اعتقل في العام 2011 بشبهة الانتماء إلى حركة حماس. واشتبه الشاباك به بأنه يعلم بمكان تخزين أسلحة سيستخدمها نشطاء حماس. وتعرض للتعذيب كي يكشف مكان هذه الأسلحة. وكتب القاضي ألرون في قراره أن أساليب التعذيب التي استخدمها محققو الشاباك كانت "شرعية". واعترف طبيش، بحسب لائحة اتهام ضده، بمكان تخزين 10 أسلحة، كما تم اعتقال عدد من نشطاء حماس، اتهم أحدهم بالتخطيط لأسر صهيوني.
ووفقا للائحة اتهام معدلة قُدمت ضد طبيش، بموجب صفقة ادعاء، فإنه كان عضوا في خلية عسكرية تابعة لحماس ومسؤولا عن تخبئة أسلحة. واتهم بنقل سبعة أسلحة إلى نشطاء في حماس في الضفة الغربية. وبعد إدانته، قبع في السجن ثلاث سنوات. وبعد إطلاق سراحه، قدم طبيش شكوى إلى "مراقب شكاوي المحقق معهم في الشاباك"، ووصف فيه سلسلة التنكيل التي تعرض لها. وقال إن محققي الشاباك أنهكوه أثناء التحقيق، ومنعوه من النوم وهددوا بإلحاق الأذى به وبعائلته وببيته، وضربوه وأرغموه على البقاء لمدة طويلة في "حالة الموزة"، بحيث يكون ظهره على مقعد ورجليه ويديه مكبلة، وهزه حتى فقدان الوعي. لكن "مراقب شكاوى المحقق معهم في الشاباك" قرر إغلاق ملف التحقيق، في العام 2016. وإثر ذلك قدم التماسا إلى المحكمة العليا بواسطة المنظمة الحقوقية "اللجنة العامة ضد التعذيب في إسرائيلية".
ورفض القاضي ألرون مطلب طبيش بإعادة فتح التحقيق ضد تعذيبه، واعتبر في قراره أنه لا يمكن إثبات أن "الوسائل الخاصة" التي مورست ضده هي تعذيب، رغم أن طبيش قدم للمحكمة وثائق طبية حول أوجاه في الأسنان وانتفاخ ركبته وصعوبة حركتها ومشاكل في الرؤية وأوجاع في الأرجل نتيجة التعذيب. إلا أن ألرون كتب في قراره أنه "لا أعتقد أنه يوجد في كل ذلك ما يثبت رواية الملتمس". وفي المقابل، اعترف الشاباك أنه استخدم "وسائل خاصة" سرية أثناء التحقيق، لكنه سيقدم تفاصيلها في جلسة لا يتواجد فيها طبيش ومندوبي "اللجنة ضد التعذيب".
وأجمع القضاة الثلاثة أنه بالإمكان استخدام "وسائل خاصة" أثناء التحقيق مع شخص مشتبه بأنه يعرف مكان تخبئة أسلحة "لمنظمة إرهابية"، على الرغم من أنه ليس معروفا متى ستستخدم هذه الأسلحة. ونقلت صحيفة "هآرتس" اليوم، الجمعة، عن خبراء قانون كبار قولهم إن قرار المحكمة العليا من شأنه شرعنة استخدام "الأساليب الخاصة"، أي التعذيب، ضد فلسطينيين كثيرين مشتبهين بالانتماء لمنظمات فلسطينية. وأشاروا إلى أن قرارات حكم سابقة سمحت باستخدام "وسائل خاصة" ضد مشتبهين بأنهم يشكلون "قنبلة موقوتة"، أي لديهم معلومات حول عملية وشيكة، لكن الخبراء أكدوا أن قرار المحكمة بشأن طبيش من شأنه أن يطمس الفرق بين الحالتين.
وقال البروفيسور باراك مادينا، وهو خبير في القانون الدستوري وحقوق الإنسان في الجامعة العبرية في القدس، للصحيفة إن قرار المحكمة العليا يمكن أن يفسر من الناحية الفعلية بأنه يوسع قدرة قوات الأمن والتحقيق من خلال استخدام العنف، والقرار "ليس مصادقة رسمية، وإنما فعلية" بممارسة التعذيب. وأضاف أنه "في أي حالة لممارسة وسائل خاصة، ينبغي التأكد أنها لا تصل حد التعذيب (المحظور قانونيا). لكن لا يوجد نقاش مفتوح حول مدى خطورة هذه الوسائل. واستخدام الوسائل الخاصة مسموح به فقط عندما توجد معلومة مسبقة يقوم بإخفائها. والمعلومة التي يخفيها المحقق معه يجب أن تكون ’ساخنة’، أي عن مكان وجود أسلحة أو وجود خطة عمل عينية".
ورأى مادينا أن قرار المحكمة العليا يمكن تفسيره بأنه يسمح باستخدام التعذيب. "يوجد هنا توسيع ملموس للظروف التي يسمح فيها بممارسة أساليب خاصة، لأنه ليس مطلوبا وجود احتمال كبير بأن هذه الأساليب ضرورية للحصول على المعلومات". وشدد على أنه "كلما كان موعد خروج العملية إلى حيز التنفيذ بعيدا، فإن تقلص احتمال ممارسة الوسائل ضروري". وشدد أيضا على أن القانون يحظر ممارسة العنف في التحقيق، لكن المحاكم تسمح به.
وقالت المحامية أفرات برغمان سبّير من "اللجنة ضد التعذيب" للصحيفة، إن "قرار المحكمة يمكن أن يفسر على أنه تراجع ملموس عن الموقف الأخلاقي والقانوني الذي تقرر بشأن التعذيب في العام 1999، وبموجبه فإن حظر التعذيب مطلق ومن دون استثناءات. وثمة أمر مقلق آخر وهو التوسيع الذي منحته المحكمة لمصطلح القنبلة الموقوتة، ليشمل حالات يعلم فيها محققو الشاباك أن الحديث لا يدور عن قنبلة موقوتة بالمفهوم الأكيد والداهم".