بسم الله الرحمن الرحيم
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة التاريخ: 20 جمادى الأولى1443هـ
السيد علي فضل الله الموافق: 24كانون الأول 2021
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية السيّد المسيح(ع) حين قال: "أيها الناس، لن أقول لكم كما تقولون، صِلوا من وصلكم، وأعطوا من أعطاكم، واعفوا عمّن عفا عنكم، بل سأقول لكم، صلوا من قطعكم، وأعطوا من منعكم، وسلّموا على من سبّكم، وأنصفوا من خاصمكم، واعفوا عمّن ظلمكم، كما تحبّون أن يُعفى عن إساءاتكم، وبذلك تتخلّقون بأخلاق ربّكم، ألا ترون أنّ شمسه تشرق على الأبرار والفجّار، وأنّ مطره ينزل على الصالحين والخاطئين، وأنّ خيره يصيب الجميع، حتى الّذين جاهروه بالعداوة، وإن كنتم لا تحبون إلا من أحبّكم، ولا تحسنون إلا لمن أحسن إليكم، ولا تكافئون إلا من أعطاكم، فما فضلكم على غيركم!؟".
إننا أحوج ما نكون إلى أن نستلهم هذه الوصية في حياتنا والتي إن أخذنا بها فستساهم في تبريد الخلافات وإزالة الأحقاد والعداوات، وتبث السلام في النفوس وتجعلنا أقرب إلى الله، ولنصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات...
والبداية من المشهد السياسي حيث لا يبدو أن أبواب الحل قد فتحت على هذا الصعيد بفعل التأزم السياسي الحاصل بين الأفرقاء السياسيين، حيث لم تفلح كل الجهود التي بذلت لإزالة الحواجز التي تقف مانعاً أمام تحريك العجلة السياسية في ظل عدم رغبة هؤلاء في تقديم تنازلات هي ضرورية للوصول إلى علاج للأزمات المستعصية على مستوى الحكومة أو القضاء وتلك التي تهم الوطن والمواطنين فيه..
ومع الأسف، يجري كل ذلك فيما تتفاقم معاناة المواطن على الصعيد المعيشي والحياتي والذي بات معها اللبنانيون عاجزين عن تأمين أبسط مقومات حياتهم، إن من ناحية الغذاء أو الاستشفاء أو تأمين الكهرباء، أو إدخال السرور على أولادهم كما اعتادوا في أيام الأعياد، والذي يجعلهم يبحثون عمن يستطيع أن يسد حاجتهم من الداخل أو الخارج، وهناك من وصل به اليأس إلى أن يقدم على معصية الانتحار أو الحصول على المال بغير وجه حق لتأمين احتياجاته..
إننا أمام كل هذا الواقع المزري والمأساوي والإذلال الذي يعيشه اللبنانيون، نجدد دعوتنا للقوى السياسية الفاعلة إلى أن ترأف بهذا الوطن وبإنسانه، لا تفضلاً ولا منة، بل قياماً بالمسؤولية التي تولوها، فالمواقع التي وصلوا إليها لم يتوارثوها بل حصلت بأصوات اللبنانيين وبتأييدهم، الذين يريدون بلداً يقوم بحاجاته لا بلداً يتسول في هذا العالم ليحصل على المساعدات أو القروض من هنا وهناك. وهي لن تقدم بالمجان، وقد يكون ثمنها باهظاً على الصعيد السيادي، أو على مصالح اللبنانيين ومستقبلهم..
إننا نقولها لكل القوى السياسية: إنكم قادرون على إنقاذ هذا البلد إن تعاونتم وخرجتم من حساباتكم الخاصة أو الفئوية ومن التفكير الذي لا يزال يراود البعض بأنه قادر على تثبيت موقعه أو الإمساك بزمام طائفته بخطاب شد العصب أو بإثارة المخاوف من الطوائف الأخرى أو المواقع السياسية المنافسة أو حتى الصديقة وتصعيد الصراع معها وهذا ما ينبغي أن يُراهن عليه ..
ومن هنا، فإننا نجدد دعوتنا للجميع إلى العمل معاً بكل جدية ومسؤولية لإزالة الأسباب التي لا تزال تقف عائقاً أمام دوران عجلة عمل الحكومة التي من مسؤوليتها أن تعالج الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون ولمواجهة الاستحقاقات القادمة.. بعدما أصبح واضحاً أن الحلول لن تأت إلا باحترام الآليات الدستورية والقانونية ومن خلال المؤسسات..
إن من المعيب أن يأتي المسؤولون من الخارج ليحثوا المسؤولين اللبنانيين على القيام بمسؤولياتهم اتجاه وطنهم ومواطنيهم، ونحن نعي أن العالم عندما يأتي إلينا هو يريد مصالحه، لكننا دائماً نقولها لمن هم في المواقع السياسية: إذا كان الكل في هذا العالم يفكر لمصلحة بلده ولثراء إنسانه، فلماذا لا تفكرون أنتم لمصالح بلدكم وإنسانه.. لا تزال المشكلة في هذا البلد في الذين يفكرون بمصالح الآخرين قبل أن يفكروا بمصالح بلدهم..
ونبقى على الصعيد المالي، لنحذر مجدداً من كل القرارات المالية التي تصدر عن المصرف المركزي، والتي تؤدي إلى سرقة موصوفة لأموال اللبنانيين المودعة في البنوك وإلى إذلالهم بالوقوف أمام أبواب المصارف، مستغلين حاجة الناس إلى السيولة وإلى ما يؤمن احتياجاتهم..
إننا نحذر من استمرار هذه السياسة، وندعو إلى العمل الجاد لإعادة جنى عمر الناس، فمن واجب من ائتمنوا على هذه الأموال أن يردوا الأمانات إلى أهلها..
إن من المؤسف أن من يملكون جنسيات أخرى قادرون على استعادة أموالهم تحت ضغط دولهم فيما اللبنانيون غير قادرين على ذلك..
وفي مجال آخر، نجدد دعوتنا للتجار الكبار ولمستوردي حاجات الناس إلى الرحمة بالناس، وأن لا يكون هاجسهم الحفاظ على أرباحهم لتبقى كما كانت، في الوقت الذي ندعو وزارة الاقتصاد والبلديات إلى مراقبة الأسعار التي باتت لا تتماشى مع ارتفاع سعر صرف الدولار بل تتضاعف..
وفي هذا الوقت، تعود إلى الواجهة الأزمة الصحية التي تسبب بها وباء كورونا المستجد مع تصاعد أرقام المصابين وأعداد الوفيات، في ظل عجز المستشفيات عن تأمين الكلفة الباهظة للعلاج والهجرة المستمرة للأطباء والممرضين، ما يعني أننا سندخل في نفق صحي مظلم قد يكون أخطر مما عشناه في العام الفائت وما قبله..
ومن هنا، فإننا نجدد دعوتنا للمواطنين إلى ضرورة مراعاة أقصى سبل الوقاية، في الوقت الذي ندعو الدولة إلى القيام بالدور المطلوب منها في الرقابة على التقيد بهذه الإجراءات..
وأخيراً وفي ذكرى ميلاد السيّد المسيح(ع)، نتوجه بالتهنئة للمسلمين والمسيحيّين وكلّ اللّبنانيّين لهذا الذكرى التي نريدها مناسبةً لتعزيز روح التّلاقي على القيم الّتي مثّلها السيّد المسيح(ع)؛ قيم الرحمة والمحبة وخدمة الإنسان كلّه، بعيداً من الانتماء الطائفي أو المذهبي والسياسي، والنهوض بالضّعفاء والمحرومين، ومواجهة الظلم والجور والطّغيان، من أيّ جهة أتت، ولأيّ حساب كان، وبهذا تُحفظ الأوطان وتستقرّ.