حقق الباحثون تقدما في فهم كيفية تواصل مناطق الدماغ لتفسير المعلومات الحسية وبناء صورة للعالم من حولنا.
وفي الوهم البصري الكلاسيكي الشهير "مزهرية روبن"، يمكنك أن ترى إما مزهرية متقنة أو وجهين متقابلين بأنوف شبه متلامسة.
وفي أي لحظة، يعتمد المشهد الذي تتخيله على ما إذا كان عقلك يشاهد شكل المزهرية المركزي ليكون في مقدمة أو خلفية الصورة.
والآن، حقق البروفيسور جون رينولدز وزميل ما بعد الدكتوراه توم فرانكن تقدما في فهم كيف يقرر الدماغ أي جانب من الحدود المرئية هو كائن أمامي وأيها يمثل الخلفية.
ويقول رينولدز وسانجاي جها عالم الأعصاب في معهد سولك للدراسات البيولوجية، في الورقة البحثية التي نُشرت في 30 نوفمبر 2021 في مجلة eLife: "الطريقة التي ينظم بها الدماغ ويولد تمثيلا للعالم الخارجي لا تزال واحدة من أكبر الأشياء المجهولة في علم الأعصاب اليوم. ويوفر بحثنا رؤى مهمة حول كيفية معالجة الدماغ للحدود، والتي يمكن أن تؤدي إلى فهم أفضل للحالات النفسية التي يتعطل فيها الإدراك، كما هو الحال في الفصام".
وعندما تشاهد منظرا أمامك، تتلقى الخلايا العصبية الفردية في قشرة الدماغ معلومات حول منطقة صغيرة من المشهد. وبالتالي، فإن الخلايا العصبية التي تتلقى معلومات من حدود كائن ما لها سياق أولي ضئيل حول الجانب الأمامي.
ومع ذلك، اكتشف العلماء سابقا مجموعة من الخلايا التي تشير بسرعة كبيرة إلى أي جانب من الحدود ينتمي الكائن (ملكية الحدود). ويعد إدراك العمق والقدرة على التقاط الأشياء أمامك أمرا بالغ الأهمية للبقاء على قيد الحياة.
ولم يتضح بالضبط كيف تحسب هذه الخلايا العصبية في الدماغ "ملكية الحدود". وافترض بعض العلماء أنه مع مرور المعلومات من العين عبر الدماغ، إلى مناطق متتالية (أعمق) أكثر، تحدث حسابات إضافية في كل منطقة حتى يبني عقلك نموذجا للمشهد المرئي. وهذا ما يسمى بمسار النظام التحكمي التغذوي الأمامي (feedforward pathway).
ولكن علماء آخرين افترضوا أهمية مسار "التغذية المرتدة" (feedback pathway)، حيث يجب أن تعالج مناطق المصب أولا المعلومات، ثم ترسل هذه القرائن مرة أخرى إلى الخلايا العصبية في مناطق المنبع، لمساعدتهم على اكتشاف "ملكية الحدود".
وشرع رينولدز وفرانكن في تحديد الفرضية الصحيحة. واستخدموا أقطابا كهربائية لتسجيل نشاط الخلايا العصبية في طبقات مختلفة من قشرة الدماغ حيث شاهدت الحيوانات صورة كائن مربع على خلفية فارغة.
وحدد العلماء في البداية الخلايا العصبية المعينة التي تعالج المعلومات من جزء صغير من الحدود التي تحدد المربع والخلفية، ثم قاموا بقياس توقيت إشارات "ملكية الحدود" في هذه الخلايا العصبية وقارنوها مع الخلايا العصبية في طبقات مختلفة.
ويقول فرانكن: "ما وجدناه هو أن الإشارات المبكرة على ملكية الحدود تحدث في الخلايا العصبية في الطبقات العميقة من قشرة الدماغ. وهذا يدعم أهمية مسار التغذية المرتدة لفك رموز الحدود، لأن اتصالات التغذية المرتدة تصل إلى الخلايا العصبية في الطبقات العميقة وتغادرها".
ولاحظ الباحثون أيضا أن الخلايا العصبية المكدسة عموديا في طبقات مختلفة في القشرة تميل إلى المشاركة في نفس تفضيل "ملكية الحدود".
ويوضح فرانكن: "بينما نتوصل إلى فهم بنية الدماغ وكيف تتواصل مجموعات الخلايا العصبية مع بعضها البعض لبناء تمثيلنا الداخلي للعالم الخارجي، فإننا في وضع أفضل لتطوير أدوات التشخيص والعلاج لاضطرابات الدماغ التي تكون فيها هذه التمثيلات الداخلية مشوهة، مثل الفصام. وقد تترافق الهلوسة والأوهام المرتبطة بالفصام مع اضطرابات حلقات التغذية المرتدة".
المصدر: ميديكال إكسبريس