من جديد ضرب الأسرى في سجون العدو الصهيوني بإرادتهم الفولاذية الاجراءات الأمنية المشددة ليصيبوا كيان العدو الغاصب إصابة تهزه بقوة، كما فعلت رصاصة الطلاقة التي هزت الصهاينة بمقتل القناص على حدود قطاع غزة المحاصر، ليلتقي النفق الذي حفره الاسرى تحت معتقل “جلبوع” الصهيوني مع الطلاقة على حدود القطاع في مشهد دخل التاريخ ليصور مدى القوة الفلسطينية مقابل الضعف الصهيوني.
فالمسائل هنا لا تقاس بالجدر الإسمنتية المشيدة بإحكام وباستخدام أحدث المواد وأدق الاجراءات الأمنية المشددة او باعتماد أدوات الكترونية وأسلحة متطورة لمواجهة الاسرى في المعتقلات الصهيونية سيئة الصيت، بل النظر للمسائل لها أبعادها من منظور الوعي والإرادة والصبر الإستراتيجي الذي بلا شك نتائجه واضحة المعالم، بانهيار كيان العدو وزوال “إسرائيل” عاجلا أم آجلا، لأن “نفق جلبوع” وبقية أنفاق وإجراءات المقاومة وأسلحتها سيهزون الهيكل التلمودي حتى سقوطه المدوي.
فقد أظهرت عملية التحرر البطولية من معتقل “جلبوع” مدى الصبر والإرادة التي تتميز بها الحركة الأسيرة في معتقلات العدو، هذه الحركة التي تعمل بصمت ولكن بإرادة ومسؤولية عالية، فسرية العمل المضني في ظروف قاسية تظهر هذا الانضباط المنقطع النظير الذي تتميز به روح المقاومة سواء كانت داخل الزنازين او خارجها على الثغور وفي كل ميادين الجهاد سواء العسكرية او الامنية او السياسية والاعلامية والاقتصادية أيضا، وبما نواجهه من حروب ناعمة يستخدم فيها العدو أصعب الاسلحة وأخبثها في محاولة لتحقيق ما عجز عن تحقيقه في بقية الجبهات، كما تؤكد هذه العملية من جديد على قدرة الشعب الفلسطيني في إيلام العدو وابتداع الاساليب المتنوعة بمواجهته.
ولا شك ان عملية التحرر في جلبوع قد أعادت قضية الاسرى الى الواجهة من جديد، على الرغم من كل الخذلان العربي الرسمي وبالتحديد الخليجي من خلال التواطؤ مع العدو والتطبيع معه بشكل متسارع ولافت، وأيضا لا بد من الاستفادة من هذه العملية لتسليط الضوء وفضح ممارسات العدو التعسفية والانتهاكات الخطيرة بحق الاسرى داخل السجون التي باتت منسية من قبل الكثير من الدول التي تتغنى بشعارات حقوق الانسان وأيضا من بعض المنظمات الانسانية التي تتناسى الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وأسراه.
واللافت هنا تحذير حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين للعدو من أي مساس بالأسرى داخل سجونه لانهم خط أحمر وانه لن يتم السكوت عن أي اعتداء عليهم، وقد أكدت الحركة انها “لن تترك الأسرى وحدهم ولن تخذلهم.. وانها مستعدة لفعل كل شيء من أجل حمايتهم ومساندتهم في مواجهة الإرهاب الذي يتعرضون له”، وتابعت “على الاحتلال أن يمعن النظر جيدا فيما نقول وأن يدرك أننا مستعدون وقادرون على حماية أسرانا بكل السُبل والوسائل وخياراتنا في ذلك مفتوحة ومتعددة”، بدورها، حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية “العدو الصهيوني من مغبة التعرض للأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني”، ودعت “أبناء الشعب الفلسطيني إلى توفير كل وسائل الدعم والحماية والإسناد لأسرانا أبطال عملية نفق جلبوع”.
والحقيقة ان عملية التحرر من جلبوع وقبلها عملية “رصاصة الطلاقة” على حدود غزة وقبلها معركة “سيف القدس”، أظهرت للقاصي والداني ان هذا العدو غير قادر على حماية نفسه وجنوده ومستوطنيه، وضمنا هو لن يستطيع حماية غيره من أنظمة التطبيع، فالتجارب العديدة أكدت ان هذا الكيان أوهن بكثير مما يتوهم البعض، فمن يعجز عن السيطرة على أسير مكبل ومجرد من كل وسائل القوة، كيف يستطيع حماية الكيان المفتوح على جبهات متعددة.
وخير من وصف عملية التحرر في جلبوع هو حزب الله في بيانه الذي بارك فيه عملية تحرر الاسرى حيث قال إن “ما قام به المجاهدون الشرفاء هو انجاز نوعي يشكل صفعة قوية لقوات الاحتلال واجراءاتها الأمنية المتشددة، وفشلا ذريعا لأجهزتها الأمنية والاستخباراتية”، وتابع “هو دليل إضافي على حيوية الشعب الفلسطيني وذكائه وصبره وجهاده المتواصل لتحرير أرضه وأسراه”، ويبقى التحدي الآن هو ان يتم منع العدو الصهيوني بكل أجهزته وعملائه من الوصول الى هؤلاء الاسرى المحررين الابطال الذي لقنوا العدو درسا هاما يؤكد فشله الاستخباري الكامل.