زعم علماء ألمان مؤخّراً أنهم استطاعوا تحديد جلطات الدم النادرة المرتبطة بلقاح "أسترازينيكا"، ومعه "جونسون أند جونسون". سرعان ما تلقَّفت وسائل الإعلام العالمية الخبر وبدأت تتناقله، باعتباره خرقاً علمياً يجيب عن المخاوف من الجلطات النادرة الحدوث بعد تلقّي اللقاح البريطاني-السويدي.
ومن الأسباب المحتملة للقراءة الخاطئة لما ورد في التقرير الطبي الألماني:
- عدم وجود تخصّص بالصّحافة العلميّة لدى الكثير من وسائل الإعلام عموماً، والاعتماد على محرّرين وصحافيين تقليديين لمعالجة الأخبار العلمية.
- طبيعة مهنة الإعلام التي تأسر عقل الصحافي في بوتقة السبق الصحافي والمبالغة، وتدفعه إلى الظنّ بأنَّه يأتي بفعل حسن، في حين أنّه يسبّب أذىً غير منظور لنفسه وللجمهور أيضاً.
- الحرب التّجارية القائمة بين الشركات الطبية المصنّعة لعقارات "كوفيد 19" والحكومات التي تنتمي إليها.
التّدقيق في تقرير الدراسة الألمانية التي لم تنل أيّ موافقة رسمية، كما لم تطّلع على ظروفها أيُّ جهة مستقلّة، يجعل القارئ في حيرة من أمره، بسبب تعقيد المصطلحات الطبية المستخدمة، ما يفرض الاستعانة بأصحاب الاختصاص لفهم ما ورد فيه.
واللافت أنَّ "أسترازينيكا" نفسها التي تستفيد بطبيعة الحال من أيّ جهد لمعالجة قضية الجلطات النادرة، لم تصدر أيّ تعقيب على الدراسة الألمانية، في حين اكتفت "جونسون آند جونسون" بالإعراب عن دعمها كلَّ بحث وتحليل.
في الأصل، يَفترض (فرضية) الباحثون الألمان أنَّ سبب تجلّطات الدم لدى بعض متلقّي لقاح "أسترازينيكا" هو خطأ في قراءة بعض التعليمات في خلايا الجسم، بعد إرسال نواقل الفيروس الموجود في اللقاح بعض مكوناته إلى هذه الخلايا.
بكلمات أخرى، تقوم تقنية هذا اللقاح على إدخال نوع من الفيروسات الناقلة للمعلومات إلى جسد الإنسان، ينقل إلى الجهاز المناعي لديه تعليمات بأنَّ فيروس كورونا دخل إلى الجسم، وعليه البدء بإنتاج أجسام مضادة لاحتوائه. هنا تحديداً يحصل الخلل على مستوى قراءة التعليمات التي ترد إلى خلايا الجهاز المناعي.
لحلِّ هذه المسألة، تقترح الدراسة الألمانية التي تمَّ تنفيذها على عيّنة صغيرة من الناس، أن يقوم صنّاع اللقاح الذين يستخدمون نواقل الفيروسات بتعديل تسلسل البروتين "لتجنّب التفاعلات غير المقصودة وزيادة السّلامة".
إذاً، لا جواب حاسماً في الدراسة الألمانية، بل هي فرضية، ولا حلّ للمسألة التي دفعت الكثير من الحكومات إلى الإحجام عن استخدام اللقاح، على الرّغم من أنَّ نسبة الحالات التي تعرَّضت للجلطات لا تستدعي في الأصل حالة الرعب التي ساهم الإعلام نفسه في نشرها.
وفي هذا السياق، يلفت الأستاذ الجامعي وطبيب أمراض الدم في شمال إيطاليا، البروفيسور اللبناني الأصل فؤاد قانصو، إلى أنّ الدراسة الألمانية الأخيرة لم تكن قد حصلت بعد على أيّ مراجعة علميّة من طرف مستقل عندما تناولها الإعلام العالمي، واعتمدها كنتيجة محسومة، في حين أنَّ الورقة البحثية للدراسة واضحة في أنَّها تضع فرضيات وتقديرات، ولا تقدم نتائج نهائية.
ويحمّل البروفيسور قانصو الإعلام مسؤوليّة كبيرة في موضوع تشكّل الوعي إزاء وباء "كوفيد 19" وما يرتبط به، مشيراً إلى أنّ العالم العربيّ تحديداً يشكو ندرة الصّحافيين المتخصّصين بالمواضيع العلمية، الأمر الّذي يؤدي إلى تشويه المعلومات، أو اختزالها، وعدم نقلها بشكل دقيق إلى الجمهور.
وتجدر الإشارة إلى أن وكالة الأدوية الأوروبية اعتبرت أن التجلط الدموي يجب أن يدرج كأثر جانبي "نادر جداً" للقاح "جونسون اند جونسون" المضاد لفيروس كورونا الذي تبقى منافعه أكبر من مخاطره.
فيما أعلنت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، إن "أسترازينيكا لقاح ممتاز، مثل سائر اللقاحات المستخدمة"، مضيفةً "نعم، يجب أن نستمر في استخدام لقاح أسترازينيكا"، وأن أي مخاوف مرتبطة بالسلامة يتعين التحقيق فيها.