قالت صحيفة هآرتس العبرية، اليوم الأربعاء، إن المقاومة الفلسطينية سجلت خلال الجولة الأخيرة انجازًا عمليًا مهمًا من خلال النطاق والحجم الهائل لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون التي أطلقت تجاه المناطق المحتلة، وأظهرت نجاحًا بارزًا في صناعتها للصواريخ المحلية طويلة المدى.
وذكر المراسل والمحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل، أن المقاومة الفلسطينية، برغم أنها لم تنفذ عمليات مقاومة عبر الأنفاق، وتشكيل مفاجأت تتعلق بالطائرات بدون طيار أو الغواصات البحرية، ومحاولة تغيير ميزان القوى إلى حد ما، إلا أنها نجحت في تطوير صواريخها وعملت على تحسين مستوى دقتها وهذا بمثابة نجاح كبير يحسب لها.
وقال هرئيل: "أن هذا الإنجاز يحظى بتقدير كبير من قبل المتخصصين في الجانب الصهيوني، مشيرًا إلى أن هذا النجاح في تطوير صواريخ محلية الصنع في ظل إغلاق مصر للأنفاق منذ سنوات وتقليص عمليات التهريب للحد الأدنى، يمثل انجازًا كبيرًا.
وتشير التقديرات لدى المستوى الأمني والعسكري في الكيان الصهيوني إلى أن هذه الصواريخ يتم إنتاجها بشكل منظم وليست ناجمة عن عمل بدائي.
ويقول مصدر ميداني سابق في المؤسسة العسكرية الصهيونية عن المقاومة بغزة: "هذا ليس عدوًا يمكن التقليل من شأنه، فهم لا يتخلفون بشكل خطير عن مطوري الأسلحة في إيران أو حزب الله، ويعملون بشكل جاد للغاية وفي ظروف أكثر صعوبة".
وخلال معركة سيف القدس التي استمرت 11 يومًا، فإنه تم إطلاق 4360 صاروخًا باتجاه الأراضي المحتلة، منها نحو 15.5 بالمئة سقطت داخل القطاع، ونحو 280 صاروخًا بما يمثل نسبة 6.5 بالمئة سقطت في البحر الأبيض المتوسط، وتم إطلاق الباقي نحو القدس ومناطق أخرى بما في ذلك وادي عربة، حيث تم إطلاق من مسافة نحو 250 كم، وهو أقصى مدى كشف عنه حتى الآن. بحسب الصحيفة.
وأدى إطلاق الصواريخ إلى مقتل 13 منهم فلسطينيان من اللد، وأجنبيان، والآخرين من المستوطنين بينهم جندي بصاروخ مضاد للدروع، فيما أصيب أكثر من 350 بجروح متفاوتة. وفقًا للصحيفة.
ومقارنةً مع العدوان الصهيوني على غزة خلال الحرب 2014، فإنه تم إطلاق حوالي 4600 صاروخ وقذيفة هاون خلال 50 يومًا من الحرب، لكن هذه المرة أطلقت المقاومة، ما معدله 400 صاروخ في اليوم أي أكثر من 4 أو 5 مرات من العملية في 2014.
وكانت التقديرات لدى المؤسسة الأمنية والعسكرية في "إسرائيل"، أن المقاومة بغزة تمتلك ما يقرب من 15 ألف صاروخ، منها أكثر من ألف في المدى المتوسطة فأكثر إلى 50 كيلو مترًا، وبافتراض ما يقرب من تدمير ألف صاروخ في الهجمات التي نفذت من قبل جيش الاحتلال بغزة، فإنه من المحتمل أن المقاومة لديها حوالي 60 بالمئة من ترسانتها الأصلية المتبقية، منها المئات قادرة على ضرب وسط الكيان الصهيوني. وفقًا لما ذكر بالتقرير العبري.
وأشارت الصحيفة إلى أن المقاومة نجحت في تقديم عروض مهمة خلال الجولة الأخيرة بإطلاق أكثر من 100 صاروخ في أقل من نصف ساعة على عسقلان، أو العشرات على غوش دان “ما تسمى تل أبيب الكبرى”، مشيرةً إلى أن المقاومة بهذا العرض حاولت إظهار ضعف القبة الحديدية واختراقها، ولكن رغم ذلك ووفقًا لسياسة الاعتراض فيمكن أن يكون الحديث عن أنها حققت نجاحات جيدة القبة باعتراض 90 بالمئة من الصواريخ التي كانت موجهة على مناطق سكنية ما أنقذ حياة العشرات من المستوطنين.
ويشير التقرير، إلى أن الصناعة المحلية للصواريخ في غزة بدأت مع أوائل العقد الأول من القرن الحالي بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، وتم إطلاق أول صاروخ قسام محلي الصنع تجاه سديروت عام 2001، مشيرًا إلى أن المقاومة نجحت في تحويل الحدود مع سيناء إلى طريق للتهريب عبر الأنفاق، وذلك بعد انسحاب الإحتلال الصهيوني من غزة عام 2005، ثم بدأت الحركة في تحديث أسلحتها من خلال تهريب صواريخ إيرانية مختلفة، قبل أن يتم تهريب صواريخ فجر التي يبلغ مداها 75 كم، وفي عام 2012 أطلقت حماس أول صاروخ منه على تل أبيب، إلا أن الجيش الإسرائيلي رد بقصف معظم تلك الصواريخ.
وبعد عام في صيف 2013، توقفت عمليات التهريب بشكل كامل بعد تغيير نظام الحكم في مصر، وتم لاحقًا إغلاق الأنفاق، فأصبحت المقاومة تعتمد على الصواريخ المحلية، وبدأت بإجراء عشرات التجاري لتحسين أداء هذه الصواريخ وتطوير مدياتها.
وتقول مصادر عسكرية صهيونية إن المقاومة تحاول إنتاج المزيد من الصواريخ، وزيادة مدياتها لتكون أكثر فتكًا بتحسين دقتها لما لذلك أهمية استراتيجية، وإمكانية ضرب مواقع حساسة مثل مطار اللد “بن غوريون”، وقواعد سلاح الجو ومحطات الطاقة والموانئ التي تم قصفها بالفعل أثناء الجولة الأخيرة.
وتشير الصحيفة، إلى أنه فعلًا الكيان الصهيوني كان يشعر بالقلق من جهد المقاومة في تحسن دقة صواريخها، لذلك ركزت في الجولة الأخيرة على تصفية قيادات مهمة في حماس تعمل على تطوير هذه الصواريخ ويقودون مشاريع الحركة لتطويرها بشكل أكبر، وكان الهدف من تلك الاغتيالات منع جمال الزبدة وجمعة الطحلة من مثل هذا الانجاز.
ووفقًا للتقرير، فإن بعض القائمين على تطوير مشروع أسلحة المقاومة هم أشخاص مدربون رسميًا، وحاصلون على درجة الدكتوراة في الدراسات الهندسية بالخارج، ومنهم أكاديميين من ذوي الخبرة العلمية، وهناك مجموعة أخرى لم تدرس بالخارج لكنهم انخرطوا في تطوير الأسلحة منذ 20 عامًا وأصبحوا أكثر تقدمًا بشكل تدريجي.
وبحسب التقرير، فإنه يتم تطوير الكثير من المعرفة التكنولوجية داخل القطاع، وتساعد إيران وحزب الله من بعيد، لكن هناك مجالات خاصة منها القدرة على الارتجال في تطوير صواريخ وفق مواد أولية ومتوفرة تجاوز فيها خبراء التصنيع بحماس رفاقهم في إيران وحزب الله، وهذا يجعل من أسلحة المقاومة المحلية في طبيعتها تختلف عن الأسلحة الإيرانية والعربية، ويتم صناعتها من أنابيب تحصل عليها المقاومة بصورة أو أخرى رغم منع الكيان الصهيوني إدخالها إلى غزة.
وتسعى المقاومة لجعل انتاجها معياريًا قدر الإمكانية وبصواريخ ذات أرقام تسلسلية، ويتم وضع لون معين وشعار وتصميم رسومي وبأسماء مختلفة لكل صاروخ، وهذا ما يثير الدهشة أحيانًا لدى الكيان الصهيوني.
وتدعي الصحيفة، أن المقاومة تعتمد على مواد ذات استخدام متعدد مثل الملح وتراقب سلطات الإحتلال عن كثب القفزة غير المعقولة في طلب غزة للملح، ما يشير إلى استخدامه في أمور أخرى لربما منها تصنيع الصواريخ، كما تستخدم المقاومة مواد متفجرة تحصل عليها كما ظهر في فيديو للجزيرة على استخراج قذائف بريطانية قديمة من البحر لاستخدام المتفجرات التي فيها.
وأشارت إلى أن الجهات الأمنية والعسكرية تعمل حاليًا على إعادة تجميع قائمة المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يجب عدم إدخالها إلى غزة في محاولة لتشديد المراقبة بعد العملية الأخيرة لمنع المقاومة من تصنيع مزيد من الصواريخ.
وتقول الصحيفة، إنه بالرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت برؤوس جهاز إنتاج الصواريخ، بقي في قطاع غزة عدد كافٍ من الخبراء والمواد لاستئناف تطوير الأسلحة قريبًا، وسوف يستغرق التعافي وقتًا لكن من الصعب تصديق أن المقاومة ستتخلى عن المشروع تمامًا، حيث كانت الصواريخ على الأقل في الجولة الأخيرة هي الوسيلة الوحيدة التي لم تخيب آمال الفلسطينيين.