ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله خطبتي عيد الفطر المبارك من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعدما أمّ المصلين الغفيرة ومما جاء في خطبته: عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي في هذا اليوم، بما ورد في الحديث أن من تمام الصوم إعطاء زكاة الفطرة، فلا يتم الصوم إلا بها، وفي ذلك إشارة واضحة أن الإنسان لا يبلغ هذه العبادة إلا بإدخال السرور على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة..
ولذلك لا بد أن نتأكد لضمان قبول صيامنا في شهر رمضان، أن نكون قد أدينا زكاة فطرتنا وأوصلناها إلى من يستحق ذلك، لنكون بذلك أدخلنا السرور على قلوبهم وأرضينا ربنا وبتنا بذلك قادرين على أن نقوى وأكثر قدرة على مواجهة التحديات..
والبداية مما يجري في فلسطين، حيث يقف الشعب الفلسطيني في هذه الأيام موحداً وبكل إباء وشموخ وعنفوان وتحد بطولي للمشروع الصهيوني الذي يعمل على تهويد القدس بالكامل، لتغيير معالمها والمس بمقدساتها وطمس هويتها الإسلامية والمسيحية، وهو لذلك اعتقد أنه قادر على تنفيذ ذلك مستغلاً معاناة الشعب الشعب الفلسطيني، والتطبيع الذي جرى ويجري مع أكثر من كيان عربي وإسلامي وانشغال الشعوب العربية والإسلامية بمشاكلها، والتوترات الجارية فيما بينها..
وقد كان مفاجئاً لهذا العدو يقظة الشعوب العربية والإسلامية التي لا يمكن أن تقبل بأن تستباح القدس ويدنس المسجد الأقصى.. ولم يكن متوقعاً لهذا العدو أن تقف غزة رغم الحصار والتضييق الذي تعاني منذ سنوات أن تعلن وقوفها مع القدس، وأن تتصدى بما تملك من قدرات عسكرية لهذا العدو بعدما رفض أن يرفع يده عن تهجير ما تبقى من المقدسيين فيها وعن تدنيس المسجد الأقصى رغم وعيها لتبعات ذلك وما قد ينتجه من دمار في المناطق، أو من خسائر..
وقد استطاعت غزة بمقاومتها وصمود شعبها وثباته أن تهز عمق كيان العدو بعدما وصلت صواريخها إلى أماكن بعيدة لم تكن وصلت إليها من قبل شعر معها العدو بأنه أمام مأزق كبير يهز وجوده، وأكدت على وحدة الشعب الفلسطيني وأرست معادلة أنه لن يسمح بعد الآن باستفراد القدس أو تدنيس المسجد الأقصى أو أية قرية أو مدينة، وأن غزة ستكون دائماً في الميدان معهم..
لقد أعادت صمود غزة والمقدسيين والمرابطين في المسجد الأقصى القضية الفلسطينية إلى الواجهة، واستطاعت أن تعيد شيئاً من الروح إلى هذه الأمة المتعطشة للنصر ولتتنسم نفحات العزة بعد الهزائم التي عصفت بها والفتن التي مزقتها..
إننا أمام ما يجري نحيي صمود الشعب الفلسطيني وصبره وثباته رغم ما يرتكب بحقه على مستوى الحجر والبشر.
وندعو لأوسع حملة تضامن معه، فصمود هذا الشعب لن تقف تداعياته عليه، بل على كل العالم العربي والإسلامي وكل الشعوب المستضعفة.
في هذا الوقت، لا يزال العالم العربي والإسلامي يعاني من التوترات والحروب التي تسمح للعابثين بأمنه واستقراره وحريته أن يجدوا مجالاً رحباً لهم.. أكان ذلك في المأساة المستمرة في اليمن أو سوريا أو ليبيا أو أفغانستان أو العراق..
ومن هنا، فإننا وفي يوم العيد، ندعو إلى ضرورة إيقاف هذا النزيف الجاري والاستنزاف لموارد هذه الدول وقدراتها والعودة إلى لغة الحوار، لقطع الطريق على كل العابثين بأمنها وسلامها ووحدتها الداخلية، ونحيي في هذا المجال كل الجهود الرامية لتقريب وجهات النظر بين الدول العربية والإسلامية وكل السعاة لتغليب لغة الحوار على لغة الفتنة والتخاصم، فقد آن الأوان لكي تستريح بلادنا من هذا العنف الدامي المجنون الذي شتَّت مكوناتها ومزّق وحدتها على أكثر من صعيد.
ونصل إلى لبنان الذي يئن شعبه تحت وطأة الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والتي بلغت حداً لا يُطاق بفعل استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وتفلّت الأسواق وجشع التجار واستمرار التهريب وغياب شبه التام للدولة ومع ذلك يُبشّر الناس بأيام أشد سوداوية وبرفع للدعم قريب قد يجلب الفوضى الاجتماعية والأمنية معاً.
إننا في هذا المجال، ندعو لإعلان حالة طوارئ اقتصادية واجتماعية سريعة قبل ان تعم الكارثة، في الوقت الذي نثمن فيه كل مبادرات الخير التي تخفف من وقع هذا التردي الاقتصادي والمعيشي، ونحذر المسؤولين الذين أداروا ظهرهم لكل هذا الانهيار من تبعاته عليهم، لأننا نخشى إذا استمرت حالة اللامبالاة هذه وإدارة الظهر وإذا استمرت هذه المماحكات والاتهامات السياسية المتبادلة للتغطية على الفشل في عملية تشكيل الحكومة أن تنقلب الأمور بشكل كامل ويفلت زمامها ونكون أمام فوضى تدخل إلى بيوت هؤلاء المسؤولين قبل غيرهم ويدخل البلد معها في الانهيار الشامل {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً{...
وإننا في هذا اليوم المبارك نتوجه بالتهنئة والتبريك لكل أهلنا، ونسأل الله أن ينعم بالرخاء على كل بلاد العرب والمسلمين وعلى هذا البلد وأن يخرجه من معاناته ومن هذا الوباء الذي لا يزال يفتك بأبنائه وبالأمن والأمان إنه مجيب سميع الدعاء..