عيون مائلة إلى الأعلى، آذان صغيرة، فمٌ صغير، وجه مستدير صغير مع خدين ممتلئين، وابتسامة تخطف القلوب، هكذا نتعرف على متلازمة داون للوهلة الأولى. لكن كيف لكروموسوما واحدا أن يجعلهم مختلفين عنا شكلا؟ بل أجمل منّا قالبًا؟
متلازمة داون هي اضطراب وراثي يحدث حين يؤدي انقسام الخلايا غير الطبيعية إلى إنتاج مادة جينية إضافية من كروموسوم 21.
ويقدر عدد المصابين بمتلازمة داون بين 1 في 1000 إلى 1 في 1100 من الولادات الحية في جميع أنحاء العالم. ويولد كل عام ما يقرب من 3،000 الى 5،000 من الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب الجيني.
متلازمة حُب
لم يخطأ من أطلق مصطلح "متلازمة حب" على الأشخاص الذين يعانون من متلازمة داون. تقول فاطمة كريّم (أم حسن) وهي أم لطفل يعاني من داون سندروم أن هؤلاء الأشخاص "لديهم ذكاء إجتماعي وحنيّة مفرطة وحب غير مشروط"، في حين يتفشى النفاق والكراهية في مجتمعنا اليوم، يبقى الحب يلازم قلوبهم الأنقى والأطهر لدرجة أن يُخيّل إليك أن الكروموسوم الزائد كروموسوم حُب.
أمومة وتحدي
" في البداية كنت خائفة ولدَيّ مشاعر رفض" هكذا كان وقع الخبر على فاطِمة، لكنها منذ اللحظة الأولى أيضا بدأت البحث عبر الانترنت للتعرف على حالة ابنها حسن أكثر وكيف يمكنها مساعدة طفلها القادم "هدية من الله".
لم تتهاون فاطِمة يوما مع حالة ابنها، كانت تجد حلًا لكل مشكلة بهدف راحة ولدِها وسعادته، تقول "في البداية رفضت الحضانات استقبال حسن" فما كان منها إلا أن تفتح بيتها شبه حضانة لتَلاقي حسن مع الأطفال والتفاعل معهم "لأنه كان طفلا وحيدا" وكانت تسعى لتوفير الدمج له مَن حوله، وتُضيف "لم أترك مركزا أو مكانا الا وسعيتُ من أجل تحقيق الدمج لـ حسن".
على الرغم من التطور التكنولوجي الهائل إلا أنه عَجزَ عن تطوير بعض العقول التي مازالت تتعامل مع متلازمة داون بحذر وعدم قبول في المجتمع، على الرغم من أنّ القوانين تنص على حق تمتُّع الأشخاص المصابون بمتلازمة داون بنفس حقوق الإنسان التي يتمتع بها كل شخص لا يعاني إعاقة، إلا أن هذه المواد والقوانين تبقى رهينة العقول إما تُطبّق أو تبقى حبرًا على ورق.
لكن لم تقف هذه الأم هُنا، فغريزة الأمومة التي زرعها الله فيها نمت لتمتد إلى كل أم يعاني إبنها من متلازمة داون، قامت أم حسن بإنشاء صفحة على انستغرام "hasanandmom" لتشارك العالم حياة حسن ليكون نموذجا عن حياة الأطفال اللذين يعانون من داون سندروم وذلك بهدف التوعية حولهم بشكل عام ومساعدة الأمهات شبيهاتها في التفاعل مع أطفالهم.
لاقت الصفحة منذ نشأتها نجاحًا كبيرًا حتى وصلت اليوم إلى 45k ألف متابع، تتضمن الصفحة نماذج من حياة حسن ومع والدته مثل نشاطات تقوم بها مع حسن على اختلافها من تعليمية إلى ترفيهية وغيرها، مشاركة تفاعل حسن مع الأطفال من حوله ومن ذوي حالته أيضا، معلومات عن كيفية التعاطي مع هؤلاء الأطفال، عرض نماذج حية مثل "الشيف حسن"، ومشاركات حسن الفاعلة مع مؤسسات مختلفة وغيرها الكثير، حيث تُعدّ هذه الصفحة بشبه كُتيّب صوت وصورة تغوص به في عالم متلازمة داون.
تُشير فاطِمة إلى سؤال الأمهات لذوي متلازمة داون عبر الصفحة بشكل كثيف "حول أطفالهم وكيفية التعاطي معهم، لا سيما الأمهات حديثي الولادة" وتضيف "أن هناك الكثي من الأشخاص كانوا يتخذون أفكار مغايرة عن متلازمة داون، من خلال الصفحة تغيرت أفكارهم اتجاه هؤلاء الأطفال بل أصبحوا أكثر مقربةً وحُبًا لهم".
بطولة تكسر النمطية
إنجازٌ جديد أُضيف إلى لائحة ذوي متلازمة داون مع مشاركة "حسن مرعي" في بطولة مسلسل "شتي يا بيروت" عام 2021، تحولا جديدا طرأ على حياة حسن أيضا، حيث أحدث "نقلة نوعية مميزة تفاعل معها المجتمع" حسبما أشارت والدته، كان له دور بارز في المسلسل مشاركا الفنان السوري عابد فهد دور البطولة، فأثبت حسن من خلال مشاركته للعالم أجمع، أن ذوي متلازمة داون قادرون على الاندماج في المجتمع كغيرهم، وأن لهم قدرات فائقة ويستطيعون فعل ما يريدون كأي فرد آخر في المجتمع، فمن يشاهد المسلسل يرى تأدية حسن للدور باحترافية.
الطفل حسن مرعي يشارك في بطولة مسلسل "شتي يا بيروت"
بدوره، تحدّث الفنان عابد فهد حينها عن العمل مع حسن عبر فيديو نشره في حسابه عبر "إنستغرام"، وقال إنّه للمرّة الأولى يتعامل مع طفل لديه متلازمة داون، ووصفه بأنّه العمود الفقري للمسلسل ومحور الأحداث في العمل.
بمشاركته البارزة استطاع حسن كسر الصورة النمطية حول متلازمة داون وجذب العديد من الأفراد للتقرب منهم ومعاملتهم بطريقة أكثر وعيًا، حيث لاقى تمثيله تشجيعا كبيرا على السوشيال ميديا، وتناولته المؤسسات الاعلامية على اختلافها بين عناوينها الرئيسية.
لم تعد فاطمة ترى النظرة السلبية الشائعة في المجتمع تجاه الأشخاص متلازمة داون فتقول " إن الأم باستطاعتها أن تكسر هذه الصورة وفقا لمعاملتها لطفلها، فحين تعامله كفرد فاعل مثله كأي فرد في الجتمع، فتفرض على المجتمع معاملة طفلها بنفس اسلوبها" ما يسهل دمجه وبناء علاقات مع المحيط وتتوجه للعالم بقولها " أن يتعاملوا مع ذوي متلازمة داون كأي فرد في المجتمع لأنهم قادرون على فعل المزيد وأكثر مما يتوقعون".
ليست مُصادفة أن يلتقي اليوم العالمي لمتلازمة داون مع عيد الأم، فيجمعهما كروموسوم إكسترا حُب يربط بين الأم وطفلها، ربما استمدونه من الأمهات اللواتي وضع الله في قلوبهنّ حُبا يغمر العالم.
مروه الحاج_قناة الإيمان الفضائية