06 كانون الأول 24 - 12:00
ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، على منبر مسجد الإمام الحسنين(ع) في حارة حريك ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عز وجل، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. هي دعوة من الله أن نعد أنفسنا لليوم الذي نقف بين يديه، يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وخير من نتزود به لذلك اليوم التقوى.
هذه التقوى التي هي أكثر ما نحتاجه اليوم والتي تدعونا إلى أن لا ننسى حضور الله في أنفسنا وفي الحياة، في مواجهة التحديات والنكبات، والتخفيف من معاناة الناس وآلامهم، وأن نراقبه عند كلمة وموقف وقرار نتخذه، ومتى اهتدينا إلى ذلك وعشناه ووعيناه في كل تفاصيل حياتنا سنكون أكثر قوة ووعياً ومسؤولية وسنحظى بالنتائج التي وعد بها عباده بالجنة وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.
والبداية من العدوان الصهيوني الذي لم يتوقف عن هذا البلد، رغم القرار الذي صدر عن هذا الكيان بالقبول بوقف إطلاق النار والتزام الحكومة اللبنانية به، حيث يستمر هذا العدو بخرق هذا القرار عبر طلعاته الجوية وفي التهديد لأهالي العديد من القرى اللبنانية بمنع الدخول إليها والقصف الذي تعرضت له العديد من المواقع اللبنانية في جنوب الليطاني وفي شماله وعلى الحدود، أو في توسعة دائرة احتلاله لمساحات من الأراضي في الشريط الحدودي والتي كان قد عجز عن الوصول إليها بسبب استبسال المقاومة في الذود عنها، أو في التدمير الممنهج والتجريف للبيوت والمباني في القرى التي سيطر عليها وتحويلها إلى قرى غير صالحة للسكن.
وقد أصبح من الواضح أنه يهدف من وراء ذلك إلى إيجاد منطقة عازلة على حدود كيانه خالية من السكان وتكريس ما يدعيه من حق منحه له الاتفاق باستهداف أي منطقة في الداخل اللبناني يراها تهديداً له، وذلك بغية الظهور أمام الرأي العام داخل كيانه وخارجه بأنه لا يزال هو الأقوى والمبادر في هذه الحرب.
في هذا الوقت يستمر لبنان الرسمي بتمسكه بهذا القرار وتنفيذ بنوده وترك المجال للجنة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار التي عليها القيام بمسؤولياتها واتخاذ كل الإجراءات التي تمنع العدو من الاستمرار بهذه الانتهاكات والتمادي فيها.
ونحن في هذا المجال نشدد على ضرورة التطبيق الكامل لبنود الاتفاق واحترامه، ويبقى على كل الدول الراعية لهذا الاتفاق وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية الإسراع بأداء دورهم وعدم التلكؤ والتباطؤ الذي لا نزال نشهده في التعامل مع خروقات العدو.
وهنا ننوه بإسراع الدولة اللبنانية بالقيام بالدور المطلوب منها بنشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية، لكن يبقى على اللبنانيين الحذر من هذا العدو وإبقاء الجهوزية وأن تتوحد جهودهم في مواجهة أي اعتداء قد يقدم عليه بعد التصريح الذي جاء على لسان رئيس وزراء العدو بأن ما حصل هو وقف إطلاق النار فيما لم يتم بعد وقف الحرب على لبنان، وقد أثبت لبنان طوال المرحلة الماضية أنه ليس ضعيفاً وليس لقمة سائغة لهذا العدو كمل يشتهي.
في هذا الوقت يستمر اللبنانيون في العمل لرفع آثار هذا العدوان الذي أصاب الحجر والبشر وهنا لا بد أن ننوه بالدور الذي قامت وتقوم به البلديات والجهات الداعمة لها، سواء في الضاحية الجنوبية أو في الجنوب والبقاع التي سارعت في أول يوم وقف إطلاق النار إلى فتح الطرقات ورفع الأنقاض رغم قلة إمكاناتها وقدراتها.
وهنا ندعو الحكومة إلى القيام بواجبها بدعم هذه البلديات مادياً وبالإمكانات والمعدات لاستكمال دورها في رفع الركام الكبير من الأبنية.
فيما لا يزال المتضررون من العدوان ينتظرون من الدولة الإسراع بالقيام بواجبها اتجاههم من خلال مد يد العون لهم، وترميم المباني التي تضررت وتأمين المسكن لمن تهدمت بيوتهم بعدما أصبح واضحاً مدى العبء الذي بات يُلقي بكاهله على من يريد الاستئجار ولا سيما بوجود من بات يستغل هذه الحاجة لرفع بدلات الإيجار من دون أن يأخذ في الاعتبار التداعيات التي تترتب على ذلك.
وهنا لا بد أن ننوه بالمبادرات التي انطلقت من قبل أفراد وجهات والتي ينبغي أن تتعزز وتتوسع ولتكن مسؤولية عربية وإسلامية وإنسانية بدل من أن يُلقى هذا العبء على عاتق المقاومة وحدها واعتبارها هي المعنية بكل ذلك، وكأنها هي من هدمت البيوت والمحال التجارية والمؤسسات، بالرغم من أنها أعلنت أنها لن توفر جهداً في إعادة بناء ما تهدم...
في الوقت نفسه نجدد دعوتنا لكل القوى السياسية في المجلس النيابي لتلبية الدعوة التي أعلنها رئيس المجلس النيابي لانتخاب رئيس الجمهورية للتوافق على رئيس قادر على قيادة هذه المرحلة الصعبة والمليئة بالتحديات من الداخل والخارج والبدء بمرحلة انتظام عمل المؤسسات الدستورية، بعدما أصبح واضحاً أن هذا لن يتم إلا بتوافق بين وبتضافر جهودهم جميعاً.
إن من المؤسف أن هناك لا يزال يراهن على تحولات قد تحصل في الداخل والخارج تفضي بتغييرات لمصلحته فيما أثبتت الوقائع عدم صحة هذا الرهان وواقعيته، وأن هذا الوطن لا يبنى بسيطرة فريق على فريق آخر أو طائفة على أخرى بالغلبة.
ونصل إلى فلسطين، حيث يستمر العدو الصهيوني بمجازره وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، مما يندى له جبين الإنسانية.
ومع الأسف يجري كل ذلك من دون أن تتحرك الدول العربية والإسلامية للقيام بأي إجراء صارم لمنع هذا العدو من الاستمرار بعدوانه أو من يد تمتد للشعب الفلسطيني لتخفف من عبء معاناته ليترك هذا الشعب وحيداً يعاني أمام جلاديه، في وقت لا تزال فيه المؤسسات العالمية والقانون الدولي ومنابر حقوق الإنسان عاجزة عن وقف حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من سنة على الشعب الفلسطيني.
ويبقى الأمل على صمود هذا الشعب وتضحيات مقاومته التي لا بد أن تثمر وتحقق له أمانيه.