موجة من الرفض والاستنكار أعربت عنها مؤسَّسات أهليّة فلسطينيّة إزاء ما اعتبرته "شروط تمويل جديدة" فرضها الاتحاد الأوروبي لتقديم التمويل لها. واعتبرت أنَّ الشروط الجديدة "غير مبررة، وتشكّل رضوخاً لحملة التحريض والضغط الإسرائيلية على دول الاتحاد".
ووفقاً لشبكة المنظَّمات الأهلية التي تضمّ 135 مؤسّسة غير حكومية، تنصّ "الشروط" الجديدة على "ألا يكون المتعاقدون مع الاتحاد الأوروبي أو المشاركون في الورشات التدريبيّة ممن تندرج أسماؤهم ضمن قائمة المنع الخاصّة بالاتحاد الأوروبيّ".
وقائمة "المنع" الأوروبيّة أقرت في العام 2001، وهي تضم فصائل فلسطينية رئيسية عدة، مثل حركة "حماس"، وجناحها العسكري، كتائب القسّام، وكتائب شهداء الأقصى (محسوبة على حركة فتح)، وحركة الجهاد الإسلاميّ، والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، والجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة.
كما أنَّ أحد البنود التعاقدية الجديدة الخاصة بالتمويل يمنح الاتحاد الأوروبيّ الحقّ في فسخ العقد من طرف واحد إذا تبيّن له بأنَّ المستفيدين من المشروع الذي يموّله لهم علاقة بأنشطة يعتبرها الاتحاد إرهابية.
وتعتبر "شبكة المنظمات الأهلية" أنَّ "الخطورة في شروط التمويل الجديدة تكمن في تحديد بعض الكيانات السياسية والمؤسسات الفلسطينية بأنها مدرجة على قائمة المنع الأوروبية".
وأضافت: "هذا يُدخل المؤسَّسات الأهلية في حال توقيعها على الاشتراطات الجديدة في صراع وخلاف مع أجزاء واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني متهمين بشكل غير مشروع بأنهم إرهابيون، وفق قائمة الاتحاد الأوروبي".
وعبّرت الشبكة عن تخوّفها من أن تكون "الشروط الجديدة مقدّمةً لإدراج شخصيات فلسطينية على قائمة الإرهاب الأوروبية، وأن الرفض هو خطوة لمنع حدوث ذلك".
وأواخر ديسمبر/ كانون الأول 2019، سلّمت 135 مؤسسة أهلية فلسطينية رسالة للقائم بأعمال ممثّل الاتحاد الأوروبي في القدس، توماس نكلسون، توضح موقف المؤسَّسات "الرافض لشروط تمويل جديدة من قبل الاتحاد الأوروبي"، مطالبة "بشطب البنود التي تنصّ على تمويل مشروط."
وقالت المؤسسات في رسالتها: "ما يُطلب من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني من وضع الأحزاب الفلسطينية ضمن قوائم الإرهاب، مرفوض من حيث المبدأ، ويتعارض بشكل واضح مع الأنظمة والقوانين الدوليّة التي تحضّ عن التمييز لأي سبب".
ولا يعرف حجم التمويل الأوروبي المقدّم للمؤسّسات الأهليّة الفلسطينيّة، بسبب تباين ما يقدم بين عام وآخر، لكنه يصل إلى معدل 30 مليون يورو سنوياً، بحسب تقديرات غير رسمية.
وأثارت "الشروط" الجديدة رفضاً من جانب منظَّمة التحرير الفلسطينيّة، حيث طالب صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظَّمة، الاتحاد الأوروبي، بالتراجع عنها.
جاء ذلك في رسالة بعث بها عريقات إلى الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، وفق بيان من مكتب عريقات.
واعتبر المسؤول الفلسطيني أنّ "بند التمويل الجديد المتعلّق بتطبيق الإجراءات التقييدية على جميع الأطراف المتعاقدة في الاتحاد الأوروبي، يثير قلق المجتمع الفلسطيني بكلّ أطيافه".
وقال: "تلك القيود تؤثّر مباشرة في الحقوق الفلسطينية.. ولا تتماشى مع التزام الاتحاد الأوروبيّ بحلِّ الدولتين وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة".
بدوره، قال فؤاد أبو سيف، مدير عام اتحاد لجان العمل الزراعي (مقره رام الله ويتلقّى دعماً أوروبياً): "الشروط الجديدة غير مبررة ولا داعي لها".
وأضاف لوكالة الأناضول: "الاشتراطات الجديدة تضعنا في وضع حرج، وهي شكل من أشكال الابتزاز غير المقبول". وقال إنَّ الاتحاد الزراعي يعمل كغيره من المؤسَّسات الأهلية ضمن رقابة وتدقيق دولي، وعمله واضح في التنمية ومساعدة المزارعين. وحذّر من "حملة تحريض إسرائيلية كبيرة ضد المؤسسات الأهلية الفلسطينية، بهدف فرض حصار مالي عليها". وبيّن أبو سيف أن هناك حواراً مع الاتحاد الأوروبي لشطب كل البنود غير المتفق عليها.
من جهتها، اعتبرت شذى عودة، رئيسة شبكة المنظَّمات الأهلية الفلسطينية، أنَّ "الشروط الأوروبية مستهجنة، لكونها محاولة لتجريم النضال الفلسطيني".
وقالت عودة لوكالة الأناضول: "هذا رضوخ لضغوطات الاحتلال واللوبي الصهيوني في العالم، والذي يسعى للصق تهمة الإرهاب بكل ما هو فلسطيني". وحثّت دول الاتحاد الأوروبي على الالتزام بدعم حقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها كلّ المواثيق الدولية وحقّه في النضال ضد الاحتلال حتى نيل الحرية. كما شدَّدت على أهمية أن "تلعب الدبلوماسية الفلسطينية في العالم دوراً للضغط على الأوروبيين للتراجع عن الشروط الجديدة".
أما مصطفى البرغوثي، أمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وأحد المشاركين في الحوار مع الاتحاد الأوروبي، فقد أعرب عن "أهمية عدم تمييز الاتحاد بين المواطنين على أساس الجنس أو الدين أو الفكر في تقديم أي تمويل أو مشاريع تنموية".
وبيّن البرغوثي لوكالة الأناضول أنّ المنظَّمات الأهليّة في الضفّة وغزة والقدس تقدّم خدمات أساسية في التعليم والزارعة والتنمية، وتوظّف أكثر من 30 ألف فرد.
وأردف قائلاً: "هناك تحريض إسرائيلي كبير لقطع تمويل الاتحاد عن مؤسساتنا، ونحن في نقاش مع ممثلي الاتحاد لتجاوز ذلك، وضمان عدم تأثيره في التمويل".