سينغرس العقد الأخير منذ العام 2010 في أذهان كثيرين، بكونه عصرًا جديدًا في تطوير الرأسمالية على نطاق واسع جداً. ينتهي هذا العقد مع تحوّل "آبل" و"أمازون" و"مايكروسوفت" إلى أول شركاتٍ في التاريخ تفوق قيمتها السوقية التريليون دولار.
وخلال العام الماضي فقط، بلغت إيرادات "آبل" مقداراً يفوق إجمالي الناتج المحلي في فييتنام، في حين أنَّ إنفاق "أمازون" على البحث والتطوير وحده كاد يتعادل مع الناتج المحلي الإجمالي لأيسلندا. ويضم موقع "فيسبوك" اليوم نحو 2.4 مليار مستخدم، وهو عدد يفوق تعداد سكان كل قارة في العالم، باستثناء آسيا.
ورغم أنَّ عمالقة التكنولوجيا باستطاعتهل تقديم الكثير للمستهلكين، لكن، وكما أظهر العقد الحالي، فقد أصبح من الواضح أنها تُشكل مشكلة لنا كمواطنين نريد انتخابات تلتزم بقوانين الدعايات الانتخابية، وحرّة من التدخل الأجنبي. كما أنَّ هذه الشركات باتت تُشكّل مشكلة للأشخاص الراغبين بالعيش في بلدات ذات شوارع تجزئة عالية الأداء، حيث يترجم "ضغط الهامش" الذي تمارسه "أمازون" (كشركة احتكارية) برواتب زهيدة، كما أن العمل المؤقت بعقد "عدد ساعات صفرية" (أي عدم ضمان حد أدنى من عدد ساعات العمل) في مجال الخدمات اللوجستية والتوصيل، أصبح القاعدة التي يعمل كثيرون بموجبها.
كما أنها مشكلة بالنسبة إلينا كديمقراطيين يعتمدون على وسائل الإعلام المستقلة في محاسبة ممثلينا المنتخبين، بل إن الشركات التي توازي بضخامتها شركات التكنولوجيا العملاقة، تُشكل عبئاً على الرأسمالية أيضاً، فهي تسيطر على الأسواق وتسحق المنافسة، فمثلاً، تسيطر "غوغل" و"فيسبوك" على 60 في المئة من الإعلانات الرقمية (على الإنترنت)، كما أنَّ "أمازون" تحصل على أربعة دولارات من كل 10 دولارات تُصرف على الإنترنت في الولايات المتحدة. وإذا ما أبدت شركة تكنولوجية أخرى نتائج واعدة، فإن أحد عمالقة التكنولوجيا المذكورة أعلاه ستستحوذ عليها بكل بساطة (أو تسحقها).
ولقد قدَّم لنا العقد الأخير مفاهيم جديدة للتعامل مع هذه المعضلات الجديدة، فيتحدث الاقتصادي السياسي نيك سرينيتش، مثلاً، عما أطلق عليه اسم "رأسمالية المنصة"، وهي نموذج أعمال لإنشاء منصات تداول في السوق، واستخراج كميات هائلة من البيانات، والسعي إلى الاحتكار، بينما أطلقت الباحثة شوشانا زوبوف على هذه الظاهرة وصف "رأسمالية المراقبة"، محذرة من المخاطر التي تشكّلها البيانات على الديمقراطية والحرية.
لنتمعَّن قليلاً بأبرز عناوين العام 2010، فقد تعرَّضت "فيسبوك" لانتقادات حادة لكشفها معلومات افترض مستخدمو منصاتها أنها خاصة، وغادرت "غوغل" الصين بعد هجمات إلكترونية على ناشطي حقوق الإنسان، وتعرَّضت أجهزة "آيباد" في الولايات المتحدة لاختراق بيانات هائل، وتفشّى "وباء" الانتحار في المصانع الصينية التي تديرها شركة "فوكسكون" التي تصنع منتجات "آبل".
وفي هذه الأثناء، اكتُشف أن "أمازون" كانت تبيع دليلًا لتقديم المشورة حول الاستغلال الجنسي للأطفال، وقد دخلت في جدال مع الناشرين بشأن عائدات المنشورات الإلكترونية.
وحذَّر الباحثون في ذلك الوقت من وجود شيء مريب في "وادي السيلكون" أيضًا. وادَّعى الباحثان في "القانون الرقمي" لورانس ليسيج وجوناثان زيترين أن علينا أن نتصارع مع من سيحكم الفضاء الإلكتروني وكيف سيحكمه. وخشي البروفيسور سيفا فيديانياثان من "غوغلة كل شيء" (أي أن تستحوذ "غوغل" على جميع جوانب حياتنا). وانتقد إيفجيني موروزوف "وهم الشبكة"، أي الفكرة الساذجة بأن الإنترنت سيحرر العالم. وخلال اكتتاب "فيسبوك" في العام 2012، كتب مديرها التنفيذي ومؤسسها مارك زوكربيرغ: "نأمل تغيير كيفية ارتباط الناس بحكوماتهم ومؤسساتهم الاجتماعية". وكان ينبغي عليه أن يكون أكثر حذرًا تجاه آماله.
ولكن إذا كانت هذه المشاكل جلية في وقت مبكر جداً، فلماذا لم تقم الحكومات بتقييد هذه الصناعة؟
لقد تحركت عمالقة التكنولوجيا بنطاق وسرعة لم تستطع الدول ومشرعوها مواكبتها. وكون هذه الشركات عبارة عن أسواق، فهي تستفيد من "تأثيرات الشبكة"، حيث يحسن كل مستخدم إضافي فائدة الخدمة مما ينتج منه حلقة ردود أفعال إيجابية للنمو. وتكاد تكاليف التشغيل لا تتغيَّر بانضمام المزيد من الأشخاص. وقد سمح صعودها هذا بتجاوز الطفرات الصناعية الأخرى التي سادت في الماضي، مثل السيارات أو النفط أو غيرها، فعلى سبيل المثال، عند إنتاج سيارة واحدة إضافية، فإنها تسبّب المزيد من الازدحام المروري (بخلاف الصناعات الرقمية).
وفي النصف الأول من العقد الذي يشارف على نهايته، ضربت أزمة مالية الأسواق من الولايات المتحدة وحتى منطقة اليورو، ووُجّه التركيز السياسي بعيدًا عن صناعة التكنولوجيا، وهذا خلق فجوة في المهارات، إذ يفتقر السياسيون المهنيون ومستشاروهم إلى الخبرة الأساسية حتى لتحديد المشاكل في صناعة التكنولوجيا، ناهيك بإيجاد أو تصميم حلول لها. بل أكثر من ذلك، فإنَّ الحكومات لم ترغب بكبح جماح شركات التكنولوجيا، لأن الأخيرة كانت بمثابة محرك للنمو في اقتصادات متقلبة. كما أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اعتقد أنّ وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الرقمية ذات الأهداف المحددة ساعدته على الفوز في انتخابات 2012، وهو بالضبط ما يؤمن به خلفه دونالد ترامب أيضاً. وباختصار، لم تكن هناك إرادة سياسية للتغيير.
ومع نهايات العقد، تزايد الزخم حول تنظيم الفضاء التكنولوجي وتشريعه، ففي العام 2018، أرسى النظام الأوروبي العام لحماية البيانات الأساس التشريعي لحماية بيانات المستخدم والخصوصية. وتُحدد قرارات الاتحاد الأوروبي المتواصلة لمكافحة الاحتكار التجاوزات الاحتكارية للشركات. كما أنَّ ازدياد النشاط السياسي والاجتماعي بين موظفي شركات التكنولوجيا يوفر نوعًا من التنظيم الداخلي أيضًا. ويُضاف إلى ذلك، أن العقد المُقبل سيشهد منافسة أكبر من الشركات الصينية مثل "تينسنت" و"علي بابا" و"بايدو"، على الرغم من أنها تتصرف بمنطق "رأسمالية المنصة" ذاته بغطاء مختلف.
هل من بدائل ممكنة؟
أود أن أكون واثقاً بالبدائل أكثر مما أنا عليه اليوم، فقد شهد هذا العقد وسائل تواصل اجتماعي لا مركزية، مثل "ماستودون"، و"غاب"، و"دياسبورا"، والشبكة المظلمة، التي إما ستزدهر وتطفو على السطح، أو أنها في غياب المشرفين والمراقبين ستمتلئ بدلاً من ذلك بالنازيين والمتحرشين بالأطفال. وتصدر من حين إلى آخر دعوات لإنشاء منصة حكومية لوسائل التواصل الاجتماعي ممولة من القطاع العام، ولكن مع دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نحو منع "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) من رسوم ترخيصها في بريطانيا، فإن هذا ليس سوى حلم بعيد المنال.
وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللتين يحكمهما شعبويان يمينيان، قد لا تتماشى زيادة التنظيم الحكومي للشركات التكنولوجية، كما كان يأمل المنتقدون في أوائل 2010. فهناك توترات أساسية في ما نطالب "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" بتطبيقه، فمن ناحية، نخشى من مدى سيطرتهم على المعلومات التي يراها الملايين ويتحكمون بها، لكن في السعي إلى اتخاذ إجراءات تحد من المحتوى المسيء والمضلل، فنحن نطالبه بممارسة المزيد من السلطة، وليس العكس.
لقد بدأ عصر وسائل التواصل الاجتماعي بالتداعي، فقد بدأنا كمستخدمين في الانتقال من التوجه نحو النشر العام إلى المراسلة الجماعية والصغيرة الخاصة. وأتوقع أن تحسّن شركات التكنولوجيا في قراراتها للتصاميم الصغيرة التي تثبط السلوك الرقمي العدائي، على الرغم من أنني لا أملك سوى القليل من الأمل بأنه سوف تُتخذ إجراءات جذرية بشأن القضايا الكبيرة المتمثلة في مكافحة الاحتكار أو الحد من جمع البيانات. ومن شأن العناوين التي تصدرت في العام 2019 بشأن الشركات التكنولوجية، مثل "إيرادات فيسبوك ترتفع على الرغم من الغرامات البالغة 5.1 مليار دولار"، و"غوغل تعرضت للتحقيق التاريخي حول إساءة استخدام الاحتكار"، أن تتنبأ بما ستؤول إليه الأمور في العام 2029.
المصدر: ترجمة بتصرف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقال الكاتب جاي أوينز: باحث وكاتب مهتم بالميديا والتكنولوجيا والعصرنة.