تشهد الجزائر انتخابات رئاسية، اليوم الخميس، يُتوقع أن يتخللها مقاطعة واسعة لاختيار خلف للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال تحت ضغط الشارع بعد نحو عشرة أشهر من الاحتجاجات الشعبية الحاشدة وغير المسبوقة.
ولا يزال الحراك الشعبي الواسع معارضًا بشدة للانتخابات التي تريد السلطة بقيادة الجيش أن تُجريها مهما كلّف الثمن. ويتنافس خلالها خمسة مرشحين، يعتبر المحتجّون أنهم جميعًا من أبناء "النظام".
ويندّد المتظاهرون بما أسموه "مهزلة انتخابية"، ويطالبون أكثر من أيّ وقت مضى بإسقاط "النظام" الذي يحكم البلاد منذ استقلالها في العام 1962، وبرحيل جميع الذين دعموا أو كانوا جزءًا من عهد بوتفليقة الذي استمر عشرين عامًا، وأُرغم على الاستقالة تحت ضغط الشارع في نيسان/ أبريل الماضي. والجمعة الماضية، ضمّت التظاهرات الأسبوعية الأخيرة قبل الانتخابات حشدًا هائلاً، ما أظهر مدى اتساع نطاق الرفض.
وقبل 24 ساعة من موعد الانتخابات، أظهر آلاف المتظاهرين أيضًا، أمس الأربعاء، في العاصمة الجزائرية تصميمهم هاتفين بصوت واحد "لا انتخابات!". وفرضت الشرطة طوقًا أمنيًا وسط المدينة، ولم تتمكَّن من تفريق المتظاهرين إلا من خلال استخدام العنف.
وتفتتح مراكز الاقتراع عند الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي، على أن تقفل أبوابها عند السابعة مساء. وخلال الانتخابات السابقة، أُعلنت نسبة المشاركة في وقت متأخر مساءً، أما النتائج فكُشف عنها في اليوم التالي. واستناداً إلى النتائج، قد تُجرى دورة ثانية في الأسابيع المقبلة.
في غياب استطلاعات الرأي في الجزائر، يصعب توقع عدد الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم من أصل 24 مليون ناخب، في بلد عُرف بتدني نسب المشاركة الانتخابية، إلا أنَّ غالبية المراقبين يتوقّعون امتناعًا واسعًا عن التصويت.
وفتحت مراكز الاقتراع في القنصليات الجزائرية في الخارج، حيث بدأت عملية الاقتراع السبت الماضي، وأعطت لمحة عما يمكن أن يشبه انتخابات اليوم، إذ إنها كانت شبه خالية، فيما هتف متظاهرون أمامها محاولين التأثير في العدد القليل الذي جاء ليصوّت.
وحذّرت مجموعة شخصيات مقرّبة من الحراك، أمس الأربعاء، بينها المحامي مصطفي بوشاشي والأستاذان الجامعيان ناصر جابي ولويزة آيت حمدوش، من إجراء الانتخابات في سياق "توترات شديدة"، مطلقين نداء للتهدئة. ودعوا في بيان السلطات إلى "الابتعاد عن الخطابات الاستفزازية ولغة التهديد وتخوين كلّ من يخالفها الرأي في كيفية الخروج من الأزمة"، وأضافوا: "إننا نحمّلها مسؤوليّة أيّ انزلاق قد تؤول إليه الأمور في قادم الأيام".
وحثّت هذه المجموعة المحتجّين على "الحفاظ على سلمية" الحراك عبر "تجنّب أي احتكاك أو الردّ على الاستفزازات من أي جهة كانت، وعدم التعرض لحقوق الآخرين في التعبير الديمقراطي عن آرائهم".
ونفَّذ المرشحون الخمسة، عبد العزيز بلعيد وعلي بن فليس وعبد القادر بن قرينة وعز الدين ميهوبي وعبد المجيد تبون، حملة انتخابية انتهت منتصف ليل الأحد، كانت متوترة وشديدة التعقيد، في ظلِّ أجواء من القمع المتصاعد. ووجد المرشحون صعوبة في ملء القاعات، حتى الصغيرة منها، خلال تجمعاتهم التي منع كل معارض عنها، وجرت تحت حماية بارزة من الشرطة. ومع ذلك واجهتهم تظاهرات معادية أثناء تنقلاتهم.
ويتَّهمهم المحتجّون بأنهم يؤيدون "النظام" من خلال ترشّحهم، ويأخذون عليهم دورهم في رئاسة بوتفليقة، فبينهم رئيسا وزراء ووزيران في حكوماته. وكتبت متظاهرة على لافتة في العاصمة أمس الأربعاء: "كيف نثق بمن خان البلاد وساعد بوتيفليقة؟".
ومنذ استقالة بوتفليقة، يدير البلاد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وهو أيضًا كان داعمًا وفياً للرئيس بوتفليقة.
وتصرّ قيادة الجيش على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد للخروج من الأزمة السياسية والمؤسساتية التي تعصف بالبلاد، مقابل رفض تام لأي حديث عن مسار "انتقالي"، مثلما اقترحت المعارضة والمجتمع المدني لإصلاح النظام وتغيير الدستور الذي أضفى الشرعية على إطالة أمد حكم عبد العزيز بوتفليقة.
وفي غياب المرشحين، تم إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في الرابع من تموز/ يوليو، ليبقى على رأس الجزائر منذ ذلك الحين رئيس موقت قليل الظهور هو عبد القادر بن صالح، الذي انتهت ولايته القانونية منذ خمسة أشهر، وحكومة تصريف أعمال عينها بوتفليقة قبل يومين من استقالته، برئاسة نور الدين بدوي أحد الموالين له.
ويشير مراقبون إلى غياب شرعية الرئيس الذي سيُنتخب، والذي سيخلف رسميًا الرئيس المؤقت بن صالح، ويتوقّعون تواصل الاحتجاجات بعد الانتخابات.