14 صحافيا وموظفا من صحيفة "جمهورييت" المعارِضة الواسعة الانتشار ومن بينهم رسام الكاريكاتور التركي الشهير موسى كارت تمّت إدانتهم بالاتصال بحركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن المتهم بأنه وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، إنّه أمضى في السجن والمحاكم فترة مساوية للفترة التي قضاها في العمل منذ تولي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الحكم.
واعتبر كارت، الّذي بدأ آخر حكم صادر بحقه بالسجن لمدّة ثلاث سنوات وتسعة أشهر، في نيسان/ أبريل بعد أن صادقت محكمة الاستئناف عليه بعد إدانته ب"مساعدة منظمات إرهابية"، أنّه "على مدى 15 عاما أصبحت السجون وقاعات المحاكم بيتي الثاني"، موضحًا أنّه أمضى "في أروقة المحاكم نفس الوقت الذي أمضيته في العمل. وهذا مؤسف للغاية".
وكارت الذي اعترفت به المؤسسة السويسرية لرسامي الكاريكاتور من أجل السلام، هو أحد بنفس التهمة. واعتقل للمرّة الأولى في 2016 بعد أن أطلق إردوغان حملة قمع ضد المعارضة عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة.
ومنذ أن تولّى إردوغان السّلطة عام 2003، وكارت يواجه المشاكل، فقد رُفعت ضدّه أول قضية في 2005 بسبب رسم كاريكاتوري يظهر فيه إردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الحين، على شكل قطة عالقة في كرة من خيوط الصوف.
وقال كارت إنّه يرسم الكاريكاتير "منذ أكثر من 40 عامًا.. وفعلت ذلك مع زعماء سياسيين آخرين، ولم تُرفع ضدي أية قضية في المحاكم" معتبرًا أنّ "هامش التسامح أصبح ضيّقًا جدًّا اليوم"، إذ تأتي التّهمة الّتي يحاكم فيها الآن، مع اتّهام 13 صحافيًّا آخرين من موظفي صحيفة "جمهورييت" بأنّهم "تآمروا" لتغيير سياسة التحرير في الصحيفة لدعم الموالين لغولن والمتمردين الأكراد وأعضاء "جبهة حزب تحرير الشعب الثورية" اليسارية المتطرفة.
وأكّد كارت أنّ "اليوم اتّهامات الإرهاب تتجاوز أي منطق .. عندما تنظر إلى رسوماتي سترى مدى معارضتي لأية منظمة إرهابية وانتقادي الشديد والقوي لها"، لكنّه اعتبر أنّه "إذا كنت مؤمنًا أن موقفك صحيح، وإذا كنت تتمتع بسلام داخلي بشأن ما فعلته في السابق، فلا يكون من الصعب تحمل ظروف السجن".
ودعت منظمات حقوقية من بينها "مراسلون بلا حدود" تركيا إلى مراجعة قوانينها ضد الإرهاب والتشهير والتي تقول انه يتم استغلالها لإسكات المعارضين.
وصحيفة "جمهورييت" هي أقدم صحيفة يومية تركية، تأسست في 1924 وليست مملوكة لرجل أعمال قوي بل لمؤسسة مستقلة، مما يسّهل استهدافها من قبل السلطات؛ وقد فرّ رئيس تحرير الصحيفة السابق، جان دوندار، إلى ألمانيا بعد إدانته بسبب مقال يزعم أن تركيا زودت جماعات إسلامية في سورية بالأسلحة.
وتعاني الصحيفة كذلك من مشاكل داخلية، فقد استقال كارت وعدد من الموظفين من العمل في الصحيفة العام الماضي بسبب خلافات مع الإدارة الجديدة، فيما كان للقضية المرفوعة ضدّ موظّفي الصّحيفة كان لها تأثير إضافي على الإعلام بأكمله في تركيا، حيث يوجد أعلى عدد من الصحافيين المسجونين في العالم.
ولم يحدد بعد موعد لجلسة الاستئناف التالية، وليس لدى كارت أية فكرة متى ستنتهي محنته، فيما أكّد أنّ "الجميع يعرفون أن ظلًّا سياسيًّا يخيم على القضية"، وعلى الرّغم من ذلك فإن كارت لا يزال متفائلًا ومتواضعًا ويرفض أن تتغلب عليه هذه المحن، ويقول إنه يبذل جهدًا لكي يبدو بحالة جيدة أمام زواره في السجن.
وقال "لا أقابل زواري مطلقًا في حالة بائسة، بل أستعد لمقابلهم بحلاقة ذقني وارتداء أنظف قمصاني من خزانتي المتواضعة وأرحّب بهم بأذرع مفتوحة، ونمضي الوقت في تبادل النكات"؛ وقال إنّه مهما حدث فإن تركيزه سيظل على الرسم "لأن الكاريكاتور هو لغة قوية لأنك تستطيع أن تجد من خلاله طريقة للتعبير عن نفسك تحت أي ظروف، حتى تحت الضغوط".