فتحت الصين مطلع الأسبوع الحالي جبهة إضافية في الحرب التجارية التي شنها وبدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مُقتحِمةً الواجهة الرئيسية لسوق الولايات المتحدة، "وول ستريت"، في حالة من الرعب.
وفعليا، قام البنك المركزي الصيني، بخفض قيمة عملته "اليوان"، إلى أدنى درجة منذ أكثر من عقد من الزمن، ما دفع المستثمرين الخائفين من احتمال رد ترامب بتصعيد ضريبي على السلع الصينية، إلى الهرب من الأسهم لضمان سلامة السندات، متسببين بانخفاض مؤشرَي الأسهم "إس و بي 500" و"ناسداك"، بـ3 بالمئة و3.5 بالمئة، على التوالي، حتى نهاية اليوم.
وربما يكون المستثمرون على حق في ردة فعلهم، إلا أن الحالة المنخفضة لليوان مقابل الدولار الأميركي هي بالفعل مشكلة تستحق المعالجة. إذن، هل هناك أي طريقة يمكن للولايات المتحدة اتبعاها، لمقاومة "مكائد" العملة الصينية دون تصعيد حرب الرسوم الجمركية والتسبب بهلع السوق الذي سيتبعها؟
يتضح أن هناك طريقة لتفادي ذلك، فكما يعلم جميعنا، إن ترامب في اللحظة الراهنة، يعتمد على الرسوم الجمركية من أجل الاستمرار في حربه التجارية ضد الصين، وتستند الإستراتيجية الرئيسية في هذه الطريقة، إلى ترهيب الصين لإخضاعها من أجل إجراء "إصلاحات" متعددة في منظومتها الاقتصادية، لكن الصين حتى الآن، لم تمِل إلى التعاون بشكل جدي، ولا تزال تهديدات ترامب التعريفية في تصاعد مستمر، فبعد أن قام برفض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على صادرات صينية بقيمة 250 مليار دولار، هدد الأسبوع الماضي، بفرض تعريفات إضافية بنسبة 10 بالمئة على ما قيمته 300 مليار دولار من البضائع الصينية، أي إنها ستزيد من الرسوم الجمركية على جميع واردات الولايات المتحدة من البضائع الصينية.
ويُشكل انخفاض قيمة العملة الصينية، ضربة لهذه الإستراتيجية، لأنها تقوم بتحييد جزء كبير من أضرار ضرائب ترامب، على البضائع الصينية، فالفكرة من وراء فرض رسوم جمركية إضافية، تكمن أصلا في سعي الولايات المتحدة إلى رفع تكلفة البضائع الصينية الواردة إلى سوقها المحلي، لدفع الأميركيين إلى شراء كميّات أقل منها، لكن هبوط العملة الصينية، يُخفض تكاليف صادرات الصين، بالنسبة للأميركيين، ما يعني موازنة تأثير الرسوم الجمركية.
وبالطبع، أعلن بنك الشعب الصيني صراحة أن الهدف الجديد لخفض قيمة العملة، هو الانتقام من "التدابير الأحادية والحمائية التجارية وفرض زيادة الرسوم الجمركية على الصين"، بينما لجأ ترامب فورا إلى منصته المفضلة "تويتر" للتعبير عن غضبه من "التلاعب (الصيني) بالعملة".
والمشكلة تكمن في أن إدارة ترامب لم تتوصل إلى أي حلّ خلّاق سوى فرض المزيد من الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية لمعاقبة انخفاضات اليوان، هذا عدا عن أن هذه الخطوة ما هي إلا تكرار لنفس الإستراتيجية على أمل الحصول على نتيجة مختلفة، فإن هذا الارتفاع التصاعدي الدائم للتعريفات هو بالضبط ما يخيف الأسواق، فالرسوم الجمركية، تُعطل بعض الصناعات التي تتعامل مع سلاسل توريد محددة، وتدعو لمزيد من التعريفات الانتقامية من الطرف الآخر، والتي تؤدي إلى العجز ذاته، وتتسبب عمومًا بصداع كبير للمستثمرين.
وفوق كل ذلك، قد أثبتت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب منذ بدأ الحرب التجارية، على الصين، فشلها في إعادة توازن تدفق التجارة بين الولايات المتحدة والصين، والذي كان الهدف الأكبر للمواجهة التي بدأها ترامب ضد عملاق الشرق، ظاهريا على الأقل. وعلى النقيض من ذلك، ازداد عجزنا التجاري مع الصين بالفعل منذ اندلاع حرب ترامب التجارية. خلاصة القول: جلبت التعريفات، الكثير من الألم لكلا الجانبين مع تحقيق القليل من النتائج، ويحتاج ترامب إلى بدائل، وبعضها متاحة له بسهولة.
عندما يُهندس البنك المركزي الصيني، هبوطا في العملة، فهو يقوم بعبارة أخرى، وملموسة، بشراء الأصول المالية المدعومة في الدولار، وهذا يزيد بدوره، الطلب على الدولار، مما يرفع قيمته مقابل اليوان، ومن أجل إعادة العملتين إلى توازنهما السابق، أو إلى نقطة قريبة من التوازن على الأقل، تحتاج الولايات المتحدة إلى الرد على شراء الصين للأصول المالية المذكورة أعلاه، بطريقة ما.
وقد تكون إحدى السبل لذلك، هي إحباط عملية الشراء، وعلى سبيل المثال، تستطيع الحكومة الأميركية فرض ضريبة أو عمولة على جميع عمليات الشراء الأجنبية للأصول الأميركية، وبدل فرض ضريبة أخرى على الأميركيين الراغبين بشراء الخدمات والبضائع الصينية، تقوم الحكومة بفرض ضريبة على المشترين الصينيين للأدوات المالية الأميركية، كالأصول والعقارات، والبضائع وغيرها.
وفي مثال آخر، طرح السناتور ان تامي بالدوين، وجوش هولي، مشروع قانون، مؤخرا، يمنح النظام الاحتياطي الفدرالي تفويضا إضافيا جديدا لموازنة تدفقات التجارة الأميركية مع العالم، في غضون خمس سنوات، والأداة التي قدموها للبنك الاحتياطي الفدرالي للقيام بذلك، هي عمولة جديدة يتم فرضها على جميع عمليات الشراء الأجنبية للأسهم والسندات الأميركية وما إلى ذلك، ما يضاعف التكلفة بالنسبة للصين، في حال رغبت باتباع هذه الطريقة للتلاعب في عملتها.
ومع ذلك، فقد يكره مستثمرو وول ستريت هذه الفكرة، فالمستثمرون الأثرياء، لا يحبون، إلى حد ما، أي جهود حكومية للتدخل في التدفقات التجارية، لأنهم يرغبون أن يبقوا لوحدهم في هذه الساحة، لكن هذه الطريقة ستعود بتأثيرات طفيفة على الاقتصاد، والولايات المتحدة غارقة في رأس المال الرخيص، بوجود المستثمرين الصينيين أو بعدمه.
ولدى الحكومة الأميركية خيار آخر أكثر تعقيدا؛ إذ يمكنها شراء الأصول المالية الصينية حتى يتم موازنة تأثير مشترياتها من أصولنا (الأميركية). وباختصار، إذا ما رفعت الصين (أو أي دولة أخرى) من قيمة الدولار الأميركي مقابل عملتها، عبر خلق طلب على أصولنا، فيمكننا رفع قيمة عملتهم بالنسبة لعملتنا عن طريق شراء أصولهم، وتحييد هذه الحيلة برمتها.
وبالطبع، قد تكون أسهل طريقة للقيام بذلك هي اتباع نفس المسار الذي اتّبعاهُ بالدوين وهاولي؛ وهو توجيه نظام الاحتياطي الفدرالي لتحقيق التوازن في تدفقات التجارة لدينا من خلال شراء الأصول المالية المقومة باليوان الصيني، أو بعملة أي بلد آخر عطّل تدفقاتنا التجارية بسبب هذه الأنواع من التدخلات الحكومية في قيمة العملة.
وسيكون هذا النهج الجديد أقل عرقلة للمنظومة الاقتصادية، ما قد يفعله فرضُ ضريبةٍ على عمليات الشراء الأجنبية للأصول الأميركية، فسيتمكن المستثمرون هنا، وفي أنحاء العالم، من الاستمرار في شراء كل ما يريدونه دون تدخل الحكومة الأميركية، وسيتلخص دور النظام الاحتياطي الفدرالي، بالمشاركة في الاقتصاد العالمي بأهداف أكثر إستراتيجية، أما بالنسبة للاقتصاد، ونماذج الأعمال، وسلاسل التوريد، فإن جميعها ستتكيّف مع تغير أسعار العملة.
وأخيرًا، فإن هذين الإجراءَين، ليسا مجرد أداتين، لإدارة الحرب التجارية مع الصين، فهما يصلحان أيضا إلى إصلاح تدفقات التجارة الأميركية مع العالم بأسره. وتشير التقديرات إلى أن الدولار يحتاج إلى الانخفاض من 6 إلى 30 بالمئة، من أجل حلّ اختلالات التجارية بيننا وبين العالم. وتعد التعريفات، في أحسن الأحوال، طريقة غير مباشرة وفظيعة، لضبط قيمة العملات، وتسبب أضرارا جانبية كبيرة. هناك طرق أفضل للتركيز على جوهر الموضوع.