فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة في فنزويلا هو نتيجة أوهام نسجها جون بولتون ومايك بومبيو مع خوان غوايدو في تعظيم حجم المعارضة وفي تضخيم مشاكل النظام، لكن هذا الفشل قد يطيح بالمراهنات الأميركية على التدخّل العسكري لتنصيب غوايدو في الرئاسة.
ما هي هذه الأوهام؟ ولماذا يؤدي فشلها إلى الإطاحة بالمراهنات؟
ادّعاء جون بولتون بأنَّ غوايدو اتفق مع وزير الدفاع ورئيس المحكمة العليا وقائد الحرس الرئاسي، تبيّن أنه ادّعاء مفتعل نسجه مع بومبيو وغوايدو وفق معلومات نيويورك تايمز، في خطة من الحرب النفسية لإطلاق أكاذيب مكشوفة. ومن بين الأكاذيب، مزاعم مغادرة نيكولاس مادورو إلى كوبا بناءً على وساطة روسية كذّبتها ماريا زاخاروفا، ووصفتها بالتضليل الذي يُذكّر بمزاعم فرار الرئيس بشار الأسد من دمشق.
هذه العيّنة من الأوهام والتضليل تكشف أن رأس الحربة الثلاثية في فنزويلا، يتخيّل أنه قادر على إسقاط النظام البوليفاري بالحرب النفسية بناءً على ما تسميه "نيويورك تايمز" المعلومات الخاطئة في فنزويلا، أو على الأصح تزوير المعلومات، بحسب وصف زاخاروفا، فقد تخيّل الثلاثي أن الشعب الفنزويلي سيهبّ ضد مادورو خلال خطة توزيع "المساعدات الإنسانية" من الحدود الكولومبية والبرازيلية. ثم تخيّلت استقطاب قيادات الجيش بوعود توزيع ملايين الدولارات. ولم تفهم الولايات المتحدة أسباب فشل هذه المحاولات، ولا تعرف لماذا يتمسّك الشعب بالنظام البوليفاري، كما تقول فورين بوليسي.
عدا فريقي بولتون وبومبيو - وليام أبرامز، تدرك وزارة الدفاع الأميركية ووكالة الاستخبارات "سي أي آي"، أن الوضع في فنزويلا ليس كما يصوّره بولتون وبومبيو، وأن الاستخبارات تبذل ما بوسعها لجمع معلومات تمكّنها من القراءة الصحيحة، وأن الخيارات المتوافرة هي في الشقين السياسي والدبلوماسي.
الخلاف بين البنتاغون وكلٍّ من بولتون وبومبيو، انفجر خلال الاجتماع الطارئ بعد فشل المحاولة الانقلابية في البيت الأبيض، حيث وقعت مشادة بين بول سيلفا نائب رئيس هيئة الأركان ومساعد بولتون ماريسو كلافير كارين. وظهر خلال الاجتماع أن ترامب من الصعب أن يوافق على إدخاله في حرب طويلة الأمد في فنزويلا، كما تستنتج واشنطن بوست. وأكدت على إثره القائمة بأعمال وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي كاثرين ويلبارغر أنها لم تتلقَ أوامر بالاستعداد للحرب، بينما أوضح قائد القيادة الجنوبية كريغ فولر أنّ الخطّة تقوم على بناء شراكات في المنطقة، ولم تنجح بالموافقة على عمل عسكري مشترك سوى مع كولومبيا عبر الميليشيات الكولومبية.
المعارضة في فنزويلا لا تتفق كلّها مع غوايدو في المراهنة على التدخّل الأميركي وعلى انقسام كبار قيادات الجيش، فرئيس البرلمان السابق خوليو بورخيس، مؤسّس حزب "بريموريا جوستيسا"، يرفض الانضمام إلى غوايدو الذي يظهر إلى جانبه ليوبولدو لوبيز الأميركي الهوى، كما غوايدو.
وفي المقابل، تعبّر قيادة الجيش عن تماسكها والاستعداد للدفاع عن مادورو والنظام البوليفاري، كما أكّد وزير الدفاع الجنرال فلايديمير بادرونو وقائد الجيش الأدميرال ريميغو سيبلوس الَّذي وصف المجموعة الانقلابية بالخونة، ووعد بمحاكمتها بجرم الخيانة العظمى، لكن الرجل القوي في فنزويلا الموثوق من الجيش ديوسدادو كابيللو دعا الأنصار إلى حماية القصر الجمهوري لحظة إعلان بولتون عن محاولة الانقلاب، وتحدّى أميركا إذا حاولت إسقاط النظام بالمواجهة العسكرية والشعبية المسلّحة.
الفشل الذي مُني به بولتون وبومبيو، يؤكّد إخفاق المراهنة الأميركية على قوة المعارضة وضعف النظام، كما تذكّر فورين بوليسي، وأنّ خطّة غوايدو أصبحت بحكم المعلّقة، وهو ما استخلصته "واشنطن بوست" تحت عنوان انهيار خطة المعارضة والإدارة الأميركيّة تبحث عن الخطوة التالية، فهذه الخطوة التالية قد يدفع بها بولتون وبومبيو إلى حمام دم، كما تدعو الخارجية الإسبانية إلى تجنّبه، والدول الأخرى التي اعترفت بغوايدو، لكن ما أن يلوح سيل الدم في فنزويلا فقد يلوح معه القضاء على غوايدو والمجموعة الأميركيّة.
المصدر: موقع الميادين نت