ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الباقر(ع)، هذا الإمام الذي مرت علينا ذكرى ولادته في الأول من شهر رجب، حين قال: "يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة: يا بنيَّ! اصبر على الحقِّ وإن كان مرّاً"..
فلنستوصي بهذه الوصية التي تجعلنا نقف بكل عزم وإرادة أمام التحديات التي تواجهنا، عندما نكون مع الحق ومع العدل وفي مواجهة الظالمين والفساد والطغاة.. فنصبر على الآلام والحصار والضغوط.. وبذلك نكون أقوياء وأكثر قدرة على مواجهة التحديات..
والبداية من الوضع المعيشي والحياتي للبنانيين، الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بفعل استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والدواء والمحروقات ومتطلبات النقل والاستشفاء والتي لم تتحسن كما كان متوقعاً بعد التراجع بسعر صرف الدولار، وهذا يعود إلى جشع التجار ورغبتهم في الربح من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات ما يقومون به على صعيد الوطن والمواطن.
وهنا نقدر الدور الذي تقوم به أجهزة وزارة الاقتصاد بملاحقة التجار الذين يستمرون برفع أسعارهم، وندعو إلى استمرار هذا الدور وتوسعته وتعزيزه، وأن لا يقف عند صغار التجار بل يصل إلى الكبار منهم وإلى الضرب بيد من حديد على من يتلاعب بلقمة عيش الناس ومقدراتهم واحتياجاتهم..
في هذا الوقت ننتظر مع كل اللبنانيين ما ستؤول إليه المشاورات التي تجري داخل أروقة مجلس الوزراء حول الموازنة.. ونحن نأمل أن تكون الحكومة على قدر من المسؤولية بأن لا تضع على كاهل اللبنانيين أعباء إضافية هم غير قادرين على تحملها كالتي يتم الحديث عنها إن على صعيد إقرار الدولار الجمركي أو رفع تعرفة الاتصالات أو الكهرباء..
إننا مع كل اللبنانيين نعي واقع الدولة، ومدى حاجة الخزينة إلى الضرائب لتأمين متطلباتها واحتياجاتها، ولكننا نؤكد مجدداً أن هذه الضرائب يجب ألا تقع على عاتق الطبقات الفقيرة أو المسحوقة، بل على الطبقات الميسورة ومن أثروا على حساب اللبنانيين كذلك ينبغي الاستفادة من موارد الدولة ومقدراتها، واستعادة الأموال المنهوبة سواء من الداخل أو تلك التي هربت إلى الخارج والقيام بمعالجة جادة للفساد والهدر الذي لا يزال يأكل أخضر الدولة ويابسها..
إن على الحكومة أن لا تستسهل مجدداً الأخذ من جيوب اللبنانيين، بعدما أصبحت جيوب أكثرهم فارغة أو تكاد..
إن اللبنانيين لن يرتشوا للقبول بضرائب جديدة بتقديمات اجتماعية سواء أكانت للأفراد أو للمؤسسات والتي لن تكون حلاً لا للأفراد ولا لهذه المؤسسات ولن يخدعوا بتخفيض سعر صرف الدولار الذي يعرفون مسبقاً أنه لن يستمر على انخفاضه، وهو عندما يتم فهو يتم من حساب ودائعهم..
أما على صعيد اكتشاف شبكات التجسس الإسرائيلية والتي بلغت بأعدادها وامتداداتها منحى خطيراً، فإننا ننوه بالدور الذي قامت به الأجهزة الأمنية لكشف هذه الشبكات، وندعو القضاء إلى التعامل معها بكل جدية ومسؤولية، وأن لا تخضع لأي مساومات أو تدخلات بدافع طائفي أو مذهبي أو سياسي أو انتخابي أو لأي حسابات، وأن تؤخذ في ذلك الإجراءات الرادعة تجاه من باع شرفه وكرامته وأمن بلده لحساب عدو لا يزال يحتل الأرض وينتهك السيادة ويخطط ليلاً ونهاراً للإطباق على هذا البلد الذي يراه خطراً على صيغته العنصرية..
إننا نرى أن التهاون الذي حصل في السابق اتجاه العملاء هو الذي شجع وجود شبكات اليوم، والتهاون إن حصل اليوم سيشجع على وجود شبكات في المستقبل، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية التي تسهل على العدو استقطاب العملاء وتجعله يتحرك بحريته..
وفي الوقت نفسه، ندعو اللبنانيين إلى اليقظة الدائمة من هذا العدو الذي لن يدع أي ثغرة لينفذ من خلالها إلى داخل هذا البلد، ليهدد أمنه ووحدته وليعمق الهوة بين مكوناته ليكون فريسة سهلة له..
أما على صعيد التحركات المطلبية وآخرها الاحتجاج الذي جرى من قبل السائقين العموميين، فإننا نؤكد وقوفنا مع مطالب السائقين الذين باتوا غير قادرين على تأمين لقمة عيشهم بعد رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع كلفة الصيانة بسياراتهم وحافلاتهم، لندعو الحكومة إلى الوفاء بوعودها اتجاههم وأن لا تدفعهم مجدداً إلى النزول إلى الشارع مع كل ما بات يترتب على هذا النزول من تعطيل لحركة السير وتنقلات المواطنين مما لا نريده ولا نعتقد أنهم يريدونه..
أما على صعيد الحادثة التي حصلت في إحدى المؤسسات الكبرى بعدم القبول بتوظيف فتاة لكونها محجبة، رغم أنها تمتلك الكفاءة الكافية للقيام بالعمل المطلوب منها..
إننا نرى هذه الحادثة خطيرة لكونها تمس بصيغة هذا البلد الذي بني على تعدد الأديان وقبولها لبعضها البعض، وتلاقيها وتعاونها، ونرى في ذلك إقصاء لشريحة واسعة من اللبنانيين يرون أن الحجاب ليس خياراً لها بل هو واجب ديني كبقية الواجبات الدينية.. ويساهم في خلق هوة بين مكونات هذا البلد وشرائحه..
ونحن في هذا المجال، ندعو القائمين على هذه المؤسسة إلى التراجع عن هذا القرار حفظاً لصورتها ولصورة لبنان الجميل بتنوعه في أديانه ومذاهبه..
وعلى صعيد حرب اليمن التي بتنا نخشى من أن تصل تداعياتها إلى المنطقة كلها، ولا سيما بعد دخول العامل الإسرائيلي على الخط، فإننا ندعو مجدداً إلى الإسراع لإيقاف هذه الحرب، والعمل الجاد لخلق مناخ حوار بين اليمنيين، يؤمن إيقاف نزيف الدم في بلدهم وعودة الاستقرار إليه وضمان وحدته ومساعدته على تجاوز الأزمات التي يعاني منها إنسانه على كل الصعد..
إننا نجدد التأكيد أن الحل في اليمن لن يكون بمزيد من الحشد الدولي والإقليمي، كالذي يحصل، بل باحترام خيارات هذا البلد وحريته واستقلاله..
وأخيراً نتوقف عند القرار الذي صدر من منظمة العفو الدولية باعتبار الكيان الصهيوني دولة عنصرية في التعامل مع الفلسطينيين، لنؤكد أهمية هذا القرار والذي يدين العدو وينصف الشعب الفلسطيني..
ومع الأسف يصدر هذا القرار في الوقت الذي يمد بعض العرب يده إلى هذا الكيان ، ويعزز حضوره في العالم العربي والإسلامي وقدرته على الاسمرار بممارساته القمعية والإرهابية بحق الشعب الفلسطيني..