ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الحسين (ع)، التي أودعها عند أخيه ابن الحنفية قبل أن يغادر المدينة المنورة، وجاء فيها: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي رسول الله(ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين... هذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
حدد الإمام سلام الله عليه بكل وضوح أهداف ثورته والتي لأجلها بذل دمه وقدم التضحيات الجسام...
ومن هنا فإن إخلاصنا للحسين(ع) لن يقف عند ذرفنا للدموع فحسب عند ذكر مصابه بل أن نعمل للأهداف التي لأجلها كان هذا المصاب، وكانت كل هذه الآلام،ـ بأن نكون حاضرين في كل ساحة من ساحات الحق والعدل، وصوتاً يرتفع في مواجهة كل ظالم أو فاسد أو منحرف عن جادة الحق، لا نجامل في ذلك مهما كانت هوية الفاسد والظالم أو المنحرف أو طائفته أو مذهبه، وبذلك نكون قادرين على مواجهة التحديات...
والبداية من غزة التي يستمر العدو الصهيوني بارتكاب مجازره، واستهدافه للمستشفيات والمخيمات الفلسطينية وبناها التحتية بحق أهلها، والتي يهدف من ورائها إلى تيئيسهم من البقاء فيها...
ومع الأسف، يجري هذا على مرأى من العالم ومسمعه من دون أن نسمع أي صوت يدين هذا الكيان ويدعوه إلى إيقاف نزيف الدم ورفع الحصار عنه، وكأن العالم اعتاد على ما يجري من جرائم إبادة، وهناك من أعطاه صك براءة في كل ذلك ويمده بكل سبل الدعم، فيما يستمر الشعب الفلسطيني بتقديم أمثولات حية في الصبر والتحمل والصمود، وتتصدى مقاومته الباسلة بلحمها الحي وإمكاناتها المتواضعة لمنع هذا الكيان من تحقيق أهدافه والحصول على نصر يقدمه لشعبه، وبات الصوت يرتفع داخله من قادته السياسيين والعسكريين بالإسراع بالخروج من هذا المأزق والاستجابة لدعوات المفاوضات القائمة.
في هذا الوقت، تستمر المفاوضات التي يبدي المفاوض الفلسطيني فيها مرونة وإيجابية حرصاً على إيقاف معاناة شعبه، فيما لا يكف العدو عن المناورة والمماطلة، لكسب مزيد من الوقت في رهان منه على تحقيق نصر على الأرض لم يبلغه أو انتظاراً لمتغيرات تكون لمصلحته على صعيد الانتخابات الأميركية، وقد بات واضحاً أنه يريد أن تكون المفاوضات مرحلة عابرة يحقق منها بعض مطالبه باستعادة أسراه لينتقل بعدها إلى استكمال عدوانه، وإذا كان من ضغوط سياسية باتت تمارس على هذا الكيان من الداخل والخارج لدفعه إلى القبول بنتائجها، فهي لم ترق إلى مستوى دفع هذا الكيان إلى الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني في وقف إطلاق نار دائم وإعادة الأهالي إلى مناطقهم وفك الحصار ومباشرة الإعمار.
ومن هنا، فإنه يبقى الرهان لتحقيق هذه الأهداف على استمرار هذا الشعب في مقاومته، واستمرار دعم قوى الإسناد والرأي العام الدولي له على كل الصعد السياسية والإعلامية والمادية والقانونية.
فيما نعيد التأكيد على أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الدول العربية والإسلامية، وأن تخرج من حالة الصمت أو عدم المبالاة تجاه ما يجري في غزة وفي كل فلسطين، وأن تعي مسؤوليتها العربية والإسلامية تجاه شعب عربي وإسلامي والذي يشكل خط الدفاع الأول عنها، لأنه إذا سقط وحقق العدو فيه مشروعه لن يكون أحدٌ من هذه الدول في منأى عن أطماع هذا العدو أو إخضاعه وإذلاله.
ولا بد في إطار الحديث عن غزة، أن لا نغفل عما يجري في الضفة الغربية، وبشكل يومي، من قتل وتدمير لبنيتها التحتية ومرافقها ومن مصادرة لأراضيها لتوسعة الاستيطان، ومن تفلت المستوطنين للتنكيل بأهلها، والذي يريد العدو الصهيوني منه استكمال مشروعه الذي بدأه في غزة بالإجهاز على القضية الفلسطينية وقطع الطريق على كل من يفكر بإمكان تحقيق الدولة الفلسطينية الموعودة.
ونعود إلى لبنان، الذي يستمر فيه العدو الصهيوني بجرائمه واعتداءاته على قراه الحدودية، وفي استهداف المقاومين حيث يمكنه ذلك، بهدف ردع المقاومة عن استكمال ما بدأت به من دعم للشعب الفلسطيني وجعل هذا البلد يرضخ لشروطه التي يريد أن يمليها عليه والتي تتضمن إعطاء الأمن لمستوطني هذا الكيان من دون تحقيق الأمن للبنانيين وضمان أن يكف هذا العدو عن عدوانه واستباحته للبنان في البر والبحر والجو...
ما يدعو اللبنانيين الحريصين على سيادة هذا البلد وأمنه وحريته إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة تهديداته وعدوانه والكف عن كل ما يهدد المناعة الوطنية في مواجهته، حتى لا يخرج من هذه المعركة منتصراً وليبقى لهذا البلد مناعته وقوته واستقلاله.
وهنا نجدد دعوتنا إلى استمرار بذل الجهود للخروج من حال المراوحة التي نشهدها على الصعيد الرئاسي وملء الشغور في مؤسسات الدولة، لإيحاد حلول للأزمات الاجتماعية والمعيشية، والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ما يعاني منه البلد على الصعيد الاقتصادي والمالي والتي وصلت إلى حدود العجز عن توفير موازنة لتأمين الفيول الذي يشّغل الكهرباء...
وهنا لا بد من أن نشكر الدولة العراقية على استجابتها للطلب اللبناني بتأمين هذه المادة رغم عدم دفعها للمستحقات المطلوبة منها، لمنع التعتيم الشامل على لبنان...
ونتوقف عند الانتخابات الإيرانية التي جرت في أجواء من الحرية عبرت عن خيارات الشعب الإيراني...
ونحن في الوقت الذي نبارك للشعب الإيراني وقيادته هذه الخطوة، فإننا نأمل أن تسهم هذه الانتخابات في رفع كاهل الحصار الظالم عن الشعب الإيراني، ومعالجة الأزمات التي يعاني منها على الصعيد الاقتصادي والمالي، وأن يتابع الدور الذي رسمته الجمهورية الإسلامية لنفسها وخطها الذي اعتمدته منذ بدايتها في دعم القضية الفلسطينية والوقوف مع المستضعفين في العالم وتعميق العلاقات الأخوية مع جيرانها من الدول العربية والإسلامية.
وأخيراً سنكون على موعد يوم الأربعاء مع اليوم العاشر من محرم الذي نريده أن يكون يوماً يرتفع فيه الصوت في مواجهة كل المؤامرات التي تحاك على إسقاط القضية الفلسطينية، والذي نشهده في المعاناة التي تحدث في غزة والضفة وكل من يساندون هذا الكيان ويدعمونه، والدعم لكل الذين يقفون في وجه هذه المؤامرات، وأن يكون تعبيراً عن المعاني الإنسانية والإيمانية لعاشوراء، وبعيداً كل البعد من كل ما يخل بأهدافها وبرموزها التي كانت مثالاً في العنفوان والقوة والعزة والكرامة، ورسالة تصل إلى العالم التواق إلى العدل والحرية.